للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فالصِّيغةُ في الإِخْفاء جاءت بالمُضارع، وأمَّا الصِّيغةُ بالإِبْداء فجاءَتْ بالجُمْلة الاسمِيَّة.

وقوله رَحِمَهُ اللَّهُ: [{وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ} مُظهِرُه من مَحبَّتها، وأن لو فارَقَها زيدٌ تَزوَّجْتَها] هذا ما زعَمَ المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ تبَعًا لكثير من المُفسِّرين: أنَّ الذي أَخفاه النبيُّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ هو مَحبّتُه لهذه المرأةِ، فأَبدَى اللَّه تعالى ذلك، ولكنَّك إذا تَأمَّلْتَ الآياتِ وجَدْتَ أنَّ الذي أَخفاه هو (نِيَّة الزَّواج بها بأَمْر اللَّه عَزَّ وَجَلَّ)، فإنَّ اللَّه تعالى أمَرَه أن يَتزَوَّجها بعد زيدِ بنِ حارِثةَ -رضي اللَّه عنه-، وكأن هذا -واللَّهُ تعالى أَعلَمُ- من أَجْل جَبْر قَلْبها حيث تَزوَّجَتْ زَيدَ بنَ حارِثةَ -رضي اللَّه عنه- وهو مَوْلًى، وهي من صميم العرَب، فأَراد اللَّه عَزَّ وَجَلَّ أن يُكافِئَها على خُضوعها لمَشورة النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- بأن يَتزَوَّجها الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم-، هذه من جِهةٍ.

ومن جِهة أُخرى: أمَرَه اللَّه تعالى أن يَتزَوَّجها لأَجْل أن يَزول ما كان مَشهورًا عِندهم في الجاهِلية؛ من أنَّ ابن التَّبنِّي لا يَجوز لمَن تَبنَّاه أن يَتزوَّج بامرأته، فيَكون هذا من باب البَيان بالفِعْل الذي هو أَقوَى من البَيان بالقَوْل.

وإذا نظَرْنا إلى الذي أَبداه اللَّه تعالى وجَدْنا أنه زواجُه، لا أنه يُحِبُّها، فلم يَقُلِ اللَّه تعالى في القُرآن: إنك تُحِبُّها، أبَدًا! ولا تَعرَّض للحُبِّ.

وقوله تعالى: {وَتَخْشَى النَّاسَ} أي: تَخاف من قولهم، ومن كلامِهم، بأن يَقولوا: تَزوَّج زوجةَ ابنِهِ، وهذا عِند العَرَب عَيْب، فهُمْ يَرَوْنه من المُنكَرات.

قال اللَّه تعالى: {وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ} قال المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ: [في كُلِّ شيء وتَزوَّجها، ولا عليك من قول الناس، ثُمَّ طلَّقها زيدٌ وانقَضَت عِدَّتها]، قال اللَّه تعالى: {وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ} من الناس، ولكنه هنا أَطلَق، فقال تعالى:

<<  <   >  >>