وعلى هذا فلا يَكون في الآية دَليل على أنَّه ليس أبًا لأحَد من الرِّجال نَسَبًا وتَبنِّيًا، وهذا هو الأقرَبُ: أن المُراد: أبا أحَد من رِجالكم تَبنِّيًا؛ لأَجْل أن يَنفِيَ ما كان مَعروفًا عندهم من أنَّ زَيدَ بنَ حارِثةَ -رضي اللَّه عنه- ابنٌ لرسول -صلى اللَّه عليه وسلم-.
وقوله تعالى:{مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ} تَقدَّم فيما سبَق في قوله تعالى: {وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ} أنَّ بعض السَّلَف قرَأَ: "وَهُوَ أَبٌ لَهمْ" فكيف يُجمَع بَينَه وبين هذه الآيةِ؟
الجَمْع بينهما أن يُقال: هنا ليس أربا أحَدٍ من الرِّجال بالتَّبنّي، ولكنه أبٌ للمُؤمِنين باعتِبار التعليم والتَّوْجيه والإرشاد.
وقوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى:{وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ}، قال المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ: [{وَلَكِنْ} كان {رَسُولَ اللَّهِ}] أَفادَ المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ أن {رَسُولَ اللَّهِ} مَنصوبة بفِعْل مَحذوف تَقديرُه: كان رسولَ اللَّه.
وقوله تعالى:{رَسُولَ} بمَعنَى: مُرسَل، أي: مُرسَل اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لعِباده، {وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} يَعنِي: وكان خاتَمَ النَّبيِّين، قال:[فلا يَكون له ابن رجُلٌ بعدَه يَكون نَبيًّا] وهذا التَّفسيرُ الذي ذهَب إليه المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ فيه نظَر؛ لأنه يَقول:{وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} إِذَنْ ليس له ولَدٌ بعده يَكون رجُلًا فيَكون نَبيًّا، وهذا بِناءً على أنَّه يَلزَم أن يَكون ابنُ نَبيٍّ بعدَه نبيًّا، وهذا ليس بلازِم، فإنَّ بعض الأنبياء عَلَيْهِم السَّلَامُ ليس كلهم أولادُهم أنبياءُ، صحيح أنَّ كثيرًا من الأنبياء عَلَيْهِ السَّلَامُ صار أولادُه أنبياءً كإبراهيمَ عَليْهِ السَّلَامُ مثَلًا، ولكن لا يَعنِي ذلك أن جميع الأنبياء عَلَيْهِم السَّلَامُ يَلزَم من كونهم أَنبياءَ إذا خلَّفوا أَولادًا أن يَكونوا أنبياءً، ولكن معنى قوله تعالى:{وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} أنه لا نَبيَّ بعده، هذا مَعنَى الآية التي لا يُحتَمَل غيرُه.