وقوله تعالى:{وَخَاتَمَ} فيها قِراءَتان إحداهُما بالكَسْر والثانية بالفَتْح، وهي عِندي في التفسير بالكَسْر "وخاتِم النَّبيِّين" على أن (خاتِم) اسمُ فاعِل، يَعنِي: الذي يَختِمُهم، قال:[وفي قِراءة بفَتْح التاء، كآلة الخَتْم، أي: به خُتِموا] ففَتْح التاء {وَخَاتَمَ} والخاتَم ما يُختَم به الشيء، مثل الخاتَم الذي يَكون في الإِصبَع، وكُتِب عليه اسمُ صاحِبه، فإذا أَراد أن يَختِم الكِتاب ختَمَه بهذا الخاتَمِ، والنبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- خاتِم وخاتَم، فهو خاتِم؛ لأنه آخِرُهم، وخاتَم كأنه طَبْع على الرِّسالات، بعد ذلك فلا يُمكِن أن يَأتِيَ بعده رِسالة، وهذه هي فائِدة القِراءَتَيْن.
وقوله تعالى:{وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} هذا كما ترَوْن في القُرآن، وفي السُّنَّة أيضًا أدِلَّة كثيرة تَدُلُّ على أنه خاتَم الأنبياء عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، وعلى هذا فلا نَبيَّ بعدَه.
فإن قلتَ: ألَمْ يَثبُت أنَّ عيسى عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ يَنزِل في آخِر الزمان وهو نَبيٌّ؟
فالجَوابُ: بلى، يَنزِل وهو نَبيٌّ، لكن نُبوَّة عيسى عَلَيْهِ السَّلَام لم تَتجدَّد بعدُ، بل كان نبيًّا من قَبلِ أن يُرفَع، ولم يَتجَدَّد له نُبوَّة بعد نُبوَّة النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فكان النبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- خاتَمَ الأنبياء، وهل يَأتي عِيسى عَلَيْهِ السَّلَامُ بشَريعة جَديدة؟ لا.
فإن قُلتَ: أَلَيْس يَضَع الجِزْية، ويَكسِر الصَّلِيب، ويَقتُل الخِنزير، ولا يَقبَل إلَّا الإسلام؟
فالجَوابُ: بلى! وهذه الأحكامُ مخُالِفة لحُكْم الشَّريعة الآنَ، فهل مَعنَى ذلك بأنه يَأتي بأحكام مُتجَدِّدة؟
الجَوابُ: لا؛ لأنَّ إخبار النَّبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- بذلك (١) يَكون إقرارًا له، فيَكون هذا من سنَّة
(١) أخرجه البخاري: كتاب البيوع، باب قتل الخنزير، رقم (٢٢٢٢)، ومسلم: كتاب الإيمان، باب نزول عيسى ابن مريم حاكمًا بشريعة نبينا محمد -صلى اللَّه عليه وسلم-، رقم (١٥٥)، من حديث أبي هريرة -رضي اللَّه عنه-.