ومن العُلَماء رَحِمَهُم اللَّهُ مَن يَقول: الأفضَلُ أن تَقرَأ بكلِّ قِراءة، أن تَأخُذ بكُلِّ قِراءة، تَقرَأ بهذه مَرَّة وبهذه مَرَّة؛ وهو الصحيح: بأن تَقرَأ بهذه مرَّة وهذه مرَّة إذا كُنْت تَعرِف؛ لأن كلَّ قِراءة صحَّتْ عن النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فيَنبَغي أن تَقرَأ بها لفائِدتَيْن:
الفائِدة الأُولى: العمَل بكلا السُّنَّتَيْن.
الثانية: حِفْظ هذه القِراءات.
ولذلك نحن الآنَ لمَّا كُنَّا نَعتَمِد على القِراءة التي عِندنا ما نَعرِف القِراءة الأخرى، فإذا كان الإنسان إذا قيل للإنسان: يَنبَغي لك أن تَقرَأ بكل قِراءة صحَّت، فإن هذا يَكون فيه حِفْظ للقِراءات؛ ولهذا يَنبَغي للصِّغار مِنَّا -والعادة أن الكِبار صَعْب عليهم الحِفْظ- أن يَحرِصوا على القِراءات، وأن يَتعَلَّموها لأجل أن يَعمَلوا بالسُّنَّة هذه فلا تَبقَى مَهجورة.
وهذه صِيغة طلاقٍ في الجاهلية، إذا أَراد الإنسان أن يُطلِّق امرأته طلاقًا بائِنًا قال لها: أنت عَليَّ كظَهْر أُمِّي. فتَطلُق طلاقًا بائِنًا؛ لأن ظَهْر أُمِّه لا محلُّ له بحال من الأحوال، وخُصَّ الظَّهْر؛ لأنه مَحْل الرُّكوب، والإنسان يَركَب زَوْجته؛ لأنها فِراش كما قال الرسول عَلَيْهِ الصَّلَاةُ والسَّلَامُ (١).
فقوله تعالى:{تُظَاهِرُونَ} أي: تَقولون لَهُنَّ: (أنتُن علينا كظَهْر أُمِّنا)، يَقول رَحِمَهُ اللَّهُ: [أي: كالأُمَّهات في تَحريمها بذلك المُعَدِّ في الجاهِلية طلاقًا، وإنَّمَا تَجِب به
(١) في قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "الولد للفراش". أخرجه البخاري: كتاب البيوع، باب تفسير المشبهات، رقم (٢٠٥٣)، ومسلم: كتاب الرضاع، باب الولد للفراش، رقم (١٤٥٧)، من حديث عائشة -رضي اللَّه عنها-.