للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

سِتُّ مِئة جَناح (١) قد سَدَّ الأُفُق (٢).

وقوله تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ} اللَّام في قوله تعالى: {لِيُخْرِجَكُمْ} للتَّعليل، قال المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ: [ليُديم إِخْراجَه إيَّاكُم] إنما صرَف اللَّفْظ إلى مَعنَى الإِدامة؛ لأنه يُخاطِب المُؤمِنين، وإذا كان يُخاطِب المُؤمِنين فإنهم قد أُخرِجوا من الظُّلُمات إلى النُّور من الأَصْل، ولكن قد يُقال: إنه لا حاجةَ إلى هذا التَّأويلِ، وأنَّ مَعنَى قولِه تعالى: {لِيُخْرِجَكُمْ} أي: ليَزيدَكم عِلْمًا وإيمانًا.

وقوله رَحِمَهُ اللَّهُ: [{لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ}؛ أي: الكُفْر، {إِلَى النُّورِ}؛ أي: الإِيمان]، لا شَكَّ أنَّ الكُفْر ظُلُمات، كما قال اللَّه تعالى: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان: ١٣]، ولا شَكَّ أيضًا أنَّ الإيمان نُور، ولكن الآية أعَمُّ ممَّا قال المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ، فهو قال: ليُخرِجَكم من ظُلمات الجَهْل والكُفْر إلى نُور العِلْم والإيمان، فيَكون المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ قد قَصر أو تَقاصَر في تَفسيره للآية، والصواب أنه يُخرِجهم من ظُلُمات الجَهْل والكُفْر إلى نور العِلْم والإيمان.

قال اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا}: (كان) يَعنِي: اللَّه عَزَّ وَجَلَّ {بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا}: {بِالْمُؤْمِنِينَ} جارٌّ ومَجرور مُتعلِّق بـ {رَحِيمًا} قُدِّم عليه للحَصْر؛ لأن هذه الرحمةَ رَحمة خاصَّة للمُؤمِنين، تَقتَضي العِناية بهم وتَوفيقهم وهِدايتهم إلى الخَيْر، وأمَّا الرحمة العامة فهي للمُؤمِنين وغير المُؤمِنين، لكن الرحمة الخاصَّة للمُؤمِنين فقَطْ.


(١) أخرجه البخاري: كتاب بدء الخلق، باب إذا قال أحدكم: آمين، رقم (٣٢٣٢)، ومسلم: كتاب الإيمان، باب في ذكر سدرة المنتهى، رقم (١٧٤)، من حديث عبد اللَّه بن مسعود -رضي اللَّه عنه-.
(٢) أخرجه البخاري: كتاب بدء الخلق، باب إذا قال أحدكم: آمين، رقم (٣٢٣٥)، ومسلم: كتاب الإيمان، باب معنى قول اللَّه تعالى: {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى}، رقم (١٧٧)، من حديث عائشة -رضي اللَّه عنها-.

<<  <   >  >>