للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ (٢٣) سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ} [الرعد: ٢٣ - ٢٤].

إنَّما الصَّواب -بلا شَكٍّ- أنَّ هذا السلامَ من اللَّه تعالى؛ لأَنَّه يَقول: {تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ}، المُلاقَى هو الذي يُسلِّم، وهو الذي يُحيِّي هؤلاءِ، ولا شَكَّ أنَّ الربَّ عَزَّ وَجَلَّ إذا قال لهم: سَلام عليكم. سيَنزِل عنهم كلُّ خَوْف؛ ولهذا تُسمَّى الجَنَّة دارَ السَّلام، كما قال تعالى: {وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [يونس: ٢٥]؛ لأنها دار سالمِة من كُلِّ آفَةٍ، لا فيها مرَضٌ، ولا فيها مَوْتٌ، ولا فيها هرمٌ، ولا فيها نَقْصٌ في الرِّزْق، بل فيها ما لا عينٌ رأَتْ، ولا أذُنٌ سَمِعتْ، ولا خطَرَ على قَلْب بشَرٍ، كما قال عَزَّ وَجَلَّ: {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [السجدة: ١٧]، {تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْرًا كَرِيمًا}.

إِذَنْ: لمَّا قال تعالى: {سَلَامٌ} أي: من الآفات ذكَرَ بعد ذلك: {وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْرًا كَرِيمًا}، وهذا تَحْلية بعد تَخْلية، حين أَخبَرَهم أنهم سالمِون من كُلِّ آفَةٍ بيَّن أنه أَعَدَّ لهم أَجْرًا كريمًا، قال المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ: [هو الجنَّة] والأَجْر بمَعنَى: الثَّواب، وهو ما يُعطَى الأجيرَ في مُقابَلة عمَله، ويُسمَّى أجرًا، ويُسمَّى أُجْرةً، ولكن سَبَق لنا مَرَّاتٍ كثيرةً: أنَّ أَجْر العامِلين على عمَلهم ليس من باب المُعاوَضة؛ لأنه لو كان من باب المُعاوَضة لكان نِعْمة واحِدة من نِعَم اللَّه تعالى على العَبْد تَستَوعِب جميع عمَله، بل لو كان على سبيل المُعاوَضة لكان تُوفيقُك للعمَل نِعْمة يَحتاج إلى أَجْر؛ ولهذا قال بعضُهم:

إِذَا كَانَ شُكْرِي نِعْمَةَ اللَّهِ نِعْمَةً ... عَلَيَّ لَهُ فِي مِثْلِهَا يَجِبُ الشُّكْرُ

فَكَيْفَ بُلُوغُ الشُّكْرِ إِلَّا بِفَضْلِهِ ... وَإِنْ طَالَتِ الْأَيَّامُ وَاتَّصَلَ الْعُمْرُ (١)


(١) الأبيات لمحمود الوراق، انظر: الشكر لابن أبي الدنيا رقم (٨٣)، والصناعتين لأبي هلال العسكري (ص: ٢٣٢)، وشعب الإيمان للبيهقي رقم (٤٠٩٩).

<<  <   >  >>