للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وثَبَت عن النبيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أنه قال: "لَنْ يَدْخُلَ الجَنَّةَ أَحَدٌ بعَمَلِهِ"، قالوا: ولا أَنْت يا رَسولَ اللَّه؟ قال: "وَلَا أَنا، إِلَّا أَنْ يَتَغَمَّدَنِي اللَّهُ بِرَحْمَتِهِ" (١).

إِذَنْ: فالعمَل نَصِفُه إذا لم يَكُن عِوَضًا بأنه سبَب، وليس بعِوَض؛ ولهذا صرَّح اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى في عِدَّة آيات بأن الثَّواب هذا جَزاءً بما كانوا يَعمَلون؛ أي: بسبَب ما كانوا يَعمَلون، فالباء للسَّبَبيَّة في قوله تعالى: {جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [السجدة: ١٧]، والباء للعِوَض في قول الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لَنْ يَدْخُلَ الجَنَّةَ أَحَدٌ بِعَمَلِهِ"، وبهذا يُجمَع بين النَّصَّيْن.

وقوله تعالى: {وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْرًا كَرِيمًا} الأَجْر هو الكريمُ أَمِ الكريمُ هو المُتفَضِّلُ بالأَجْر؟

الجَوابُ: يَجِب أن نَعلَم أن الكريم يُطلَق على الجوَاد الباذِل للمال، ويُطلَق على الشيء الحسَن، ومنه قوله -صلى اللَّه عليه وسلم- لمُعاذٍ -رضي اللَّه عنه-: "إيَّاكَ وَكرائِمَ أَمْوَالهِمْ" (٢) يَعنِي: الحسَنة، فقوله تعالى: {أَجْرًا كَرِيمًا}، أي: حسَنًا، فما وجهُ كرَم هذا الثَّوابِ أو هذا الأَجْرِ؟

الجَوابُ: أنَّ اللَّه تعالى جعَل الحسَنة بعَشْر أمثالها إلى سَبعِ مِئة ضِعْف إلى أَضعاف كثيرة، هذا من وَجْه، ومن وَجْهٍ آخَرَ أنَّ مُدَّة بقاء الإنسان في الدنيا بالنِّسبة للآخِرة ليست بشَيْء إطلاقًا ولا يُنسَب، فالرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- يَقول: "لمَوْضِعُ سَوْطِ أَحَدِكُمْ مِنَ الجَنَّةِ


(١) أخرجه البخاري: كتاب المرضى، باب تمني المريض الموت، رقم (٥٦٧٣)، ومسلم: كتاب صفة القيامة، باب لن يدخل أحد الجنة بعمله بل برحمة اللَّه تعالى، رقم (٢٨١٦)، من حديث أبي هريرة -رضي اللَّه عنه-.
(٢) أخرجه البخاري: كتاب الزكاة، باب أخذ الصدقة من الأغنياء، رقم (١٤٩٦)، ومسلم: كتاب الإيمان، باب الدعاء إلى الشهادتين وشرائع الإسلام، رقم (١٩)، من حديث ابن عباس -رضي اللَّه عنهما-.

<<  <   >  >>