للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ودَفْع المَضارِّ، مع الثِّقَة باللَّه تعالى صِدْق الاعتِماد على اللَّه تعالى في جَلْب المَنافِع، ودَفْع المَضارِّ مع الثِّقَة به.

وهذا أحسَنُ ما قيل في تفسير التَّوكُّل، لأن الإنسان إذا اعتَمَد على اللَّه تعالى في جَلْب المَنافِع ودَفْع المَضارِّ مع الثِّقَة به صار ذلك أَقوَى له وأَطمَنَ لقَلْبه، ولكن مع هذا فإن التَّوكُّل لا يُنافِي فِعْل الأسباب الشَّرعية التي ثبَتَت إمَّا عن طريق الشَّرْع، وإمَّا عن طريق الحِسِّ.

ومَن زعَمَ أن هذا يُنافِي التَّوكُّل فقَدْ أَخطَأ، وذلك لأن الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- لا شَكَّ أنه إمام المُتَوكِّلين، وسيِّدُ بني آدَمَ، ومع هذا فكان يَفعَل الأسباب، فقَدْ كان يَتَّقي من البَرْد، ويَتَّقِي من الحَرِّ، ويَتَّقِي من البَأْس، فكان يَلبَس الدُّروع كما ظاهَرَ في يوم أُحُد بين دِرْعَيْن، ومع هذا فإنه لا يُقال: إن الرسول عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ضعيفُ التَّوكُّل.

إِذَنْ: فِعْل الأسباب من تَمام التَّوكُّل على اللَّه تعالى؛ لأن دَرْءَ ما تَخافه يَكون بأَمْرين: أمرٍ من قِبَلِكَ أنتَ، وأمير آخَرَ من قِبَل اللَّهِ تعالى، فالأشياءُ الخَفِيَّة التي تُدرِكها ولا طاقةَ لك بها هذا من قِبَل اللَّه تعالى، والأشياءُ الظاهِرة التي لك بها قِبَلٌ هذه من قِبَلِ نَفْسك، فعليك أن تَفعَل هذا، وأن تَعتَمِد على اللَّه تعالى فيما لا تُدرِكه ولا يَصِل إليه ذِهْنكَ.

وقوله تعالى: {وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا}: (كفَى) فِعْلٌ ماضٍ كما هو مَعروف، والباء حرفُ جزّ زائِدٌ؛ لتَحْسين اللَّفْظ، و (اللَّه) لَفْظ الجلالة فاعِل مَرفوع بضمَّةٍ مُقدَّرة على آخِره منعَ من ظُهورها اشتِغال المَحلِّ بحرَكة حَرْف الجرِّ الزائِد.

وقوله تعالى: {وَكَفَى} تارة تَتَعدَّى بنفسها، فإذا كان المُراد بَيان الكِفاية فقَطْ فإنها تَتَعدَّى بدون حَرْف الجرِّ، مِثل: {وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ} مثل: أن تَقول:

<<  <   >  >>