للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كفاكَ اللَّهُ تعالى شَرَّ أعدائِكَ. وما أَشبَهَها، وتارةً تَتَعدَّى بالباء إذا كان المُراد بها مَعنَى التَّعجُّب، يَعنِي: ما أَبلَغَ كِفايَتَه! مثل قوله تعالى: {وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا}، وقوله تعالى: {وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا}، وما أَشبَهَها.

وهنا المُراد بها التَّعجُّب، يَعنِي: أنهما أشَدُّ كِفاية اللَّه تعالى، وما أَبلَغَ كِفايَتَه!

وقوله تعالى: {وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا}: {وَكِيلًا} هذه حالٌ من فاعِل (كَفَي)، وقوله تعالى: {وَكِيلًا} بمَعنَي: حَفيظًا وكافِيًا، كما قال اللَّه تعالى: {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} [الطلاق: ٣]، أي: كافِيهِ.

واعلَمْ أن اللَّه تعالى أَطلَق على نَفْسه الوَكيل وأَطلَق على نَفْسه المُوكِّل، يَعنِي: وصَفَ نَفْسه بالمُوكِّل؛ فأمَّا الوَكيل فكثيرٌ في كِتاب اللَّه تعالى، ومَعناه: الكافِي الحافِظ، وما أَشبَه ذلك، وأمَّا وَصْف اللَّه تعالى بالتَّوكيل أنه مُوكِّل، ففي قوله تعالى: {فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلَاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا} [الأنعام: ٨٩] ثم قال: {وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ}، ومُناسَبة قوله تعالى: {وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا}؛ لقَوْله تعالى: {وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ} مُناسَبَتها أنك إذا تَوَكَّلْت عليه كفاك كلَّ شيءٍ، وحَفِظك، وصار رَقيبًا عليكَ.

من فوائد الآية الكريمة:

الْفَائِدَة الأُولَى: تحريمُ طاعةِ الكافِرين والمُنافِقين لكن ليس على إطلاقه، بل طاعتهم فيما يُخَالِف أَمْر اللَّه تعالى، فلو أُمِروا بشيءٍ لا يُخالِف أمرَ اللَّه تعالى فإن طاعَتَهم ليست حَرامًا، كما لو أَمَرك كافِرٌ بأن تُركِّب على هذا البابِ مِفتاحًا مثَلًا، فهل نَقول: حرامٌ عليك أن تُطيعهُ؟ لا، إِذَنْ: لا تُطِعْهم فيما يُخالِف أَمْر اللَّه تعالى.

الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ: أن القُرآن على أَكمَل ما يَكون من البَلاغة، فإننا نَجِده في مَواضِعَ يُقدِّم المُنافِقين على الكافِرين، وفي هذه الآيةِ قدَّم الكافِرين على المُنافِقين؛ لأنه

<<  <   >  >>