للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قال رَحِمَهُ اللَّهُ: [{وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ} في ذلك {وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ} سبيل الحَقِّ]، {وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ} المُفَسِّر قيَّدَها فقال: [في ذلك]، والصوابُ عدَمُ القَيْد حتى وإن كان السبَب هو هذا؛ لأن العِبْرة بعُموم اللَّفْظ لا بخُصوص السبب.

فما هو الحقُّ الذي يَقوله اللَّه عَزَّ وَجَلَّ فيما يَقول؟

فسَّرَه اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى في القُرآن نفسِه قال: {وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا} [الأنعام: ١١٥] هذا هو الحقُّ الذي يَقوله اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى؛ صِدقٌ في الأَخْبار، وعَدْلٌ في الأحكام، فكلُّ ما قاله اللَّه عَزَّ وَجَلَّ فهو دائِر بين أَمْرين، إمَّا خبَرٌ وإمَّا حُكْمٌ، فالخَبر أَحقِّيَّته الصِّدْق، والحُكْم أَحقِّيَّته العَدْل، وخَيرُ ما يُفسَّر به القُرآنُ القرآنُ.

ولهذا إذا قال قائِل: ما هو الحقُّ في قول اللَّه تعالى؟

نَقول: الحقُّ في قول اللَّه تعالى هو ما ذكَرَه اللَّه تعالى في قوله: {وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا} [الأنعام: ١١٥]، وقوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ}، لم يَقُل: ويَهدِي السبيلَ؛ لأن الجُمْلة الثانية تَتعَدَّى للغير، فهناك هادٍ ومَهدِيٌّ ومَهدِيٌّ إليه وفيه أيضًا، هناك هادٍ وهو اللَّه تعالى، ومَهدِيٌّ وهو الإنسان مثلًا ومَهدِيٌّ إليه، وفيه أيضًا وهو الدِّين.

فالسبيل المُوصِّل إلى اللَّه مَهديٌّ إليه؛ هذه هِداية الدَّلالة، ومَهديٌّ فيه هذه هِداية التَّوْفيق؛ لأنك تَقول: دلَلْتُه إلى كذا، وهدَيْتُه في كذا. بمَعنى: جعَلْته عامِلًا فيه.

وهذا هو الحِكْمة في أن اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قال في سُورة الفاتِحة: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} [الفاتحة: ٦]، ولم يَقُل عَزَّ وَجَلَّ: إلى الصِّراط المُستقيم؛ لأجل أن يَعُمَّ الهِداية إليه بالدَّلالة إليه وبَيانه.

<<  <   >  >>