يَقسِم للزوجات وأن لا يَقسِم، فيَكون في هذا تَوسِعة للنَّبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- في القَسْم، إن شاء قَسَم وإن شاء لم يَقْسِم.
وهذا هو أحَدُ القَوْلين في تَفْسير الآية الكريمة، وربَّما يَدُلُّ عليه السِّياق، قال تعالى:{يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ}[الأحزاب: ٥٠] إلى أن قال تعالى: {تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ} أَيْ: من أَزواجِك {وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ} فيَكون الإِرْجاء بمَعنَى: تَرْك القَسْم، والإيواءُ بمَعنَى: القَسْم.
والقول الثاني في المَسأَلة:{تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ} أي: من الواهِبات أَنفُسَهن لك، يَعنِي: أنك إن شِئْت قبِلْت وإن شِئْت رَدَدْتَ.
وقوله تعالى:{وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ} يَعنِي: لو أنك رَدَدْتها أوَّلًا ثُمَّ أَرَدْتها ثانيًا فلا جُناحَ عليك، وقد سَبَق لنا قاعِدة في التَّفسير: أنَّ الآية إذا كانَت تَحتَمِل مَعنيَيْن لا يَتَنافَيان فإن الواجِب حَمْلها على المَعنيَيْن؛ ولهذا اختار ابنُ جَريرٍ (١) رَحِمَهُ اللَّهُ أن الآية شامِلة للمَعنيَيْن جميعًا، وأن الرسول عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ خُيِّر بين القَسْم وعدَمه، وخُيِّر بين قَبول الِهبَة وعدَمها، وأنه أيضًا إذا لم يَقسِم ثُمَّ أَراد أن يَقسِم فله ذلك، وإذا رَدَّ الهِبَة ثُمَّ أَراد أن يَقبَل فله ذلك، فليس للمَرْأة إذا لم يَقسِم لها ثُمَّ أَراد القَسْم ليس لها أَن تَمتَنِع؛ لأن الخِيار بيَدِ النَّبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-.
فقَسْمه لمَن عِنده عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ليس على سَبيل الوُجوب من اللَّه تعالى، يَعنِي: هو مِن ذات نَفْسه يَقْسِم مع أنه مخُيَّر، والدَّليل على أنه مخُيَّر هذه الآيةُ، وقد فسَّرَها السلَفُ في ذلك فهي صالحِة للوَجْهين.