قوله رَحِمَهُ اللَّهُ: [{ذَلِكَ} التَّخيِير] ذلك المُشارُ إليه، التَّخيير:{تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي}] أي: ذلك التَّخيِير المُستَفاد من الجُمْلتَيْن [{أَدْنَى} أَقرَب إلى {أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلَا يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بِمَا آتَيْتَهُنَّ}] ما ذكَر المُخيَّر فيه {كُلُّهُنَّ}.
وقوله تَبَارَكَ وَتَعَالَى:{أَدْنَى أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ} وجهُ كَوْن ذلك أقرَبَ إلى أن تَقَرَّ أَعيُنُهنَّ؛ لأنهنَّ إذا عَلِمْنَ أن التَّخيير بين القَسْم وعدَمه من اللَّه عَزَّ وَجَلَّ قرَّت أَعيُنُهنَّ؛ لأنهنَّ يَرضَيْنَ بحُكْم اللَّه عَزَّ وَجَلَّ، لكن لو كان هذا من النَّبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- إن شاء قَسَم وإن شاء لم يَقْسِم لكان في نُفُوسِهنَّ بعض الشيء تَظُنُّ الواحِدة مِنهنَّ أن ذلك من قِبَل النَّبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- وليس من شَرْع اللَّه تعالى، فإذا علِمَتِ النِّساء أن هذا من شَرْع اللَّه تعالى فإن أَعيُنَهنَّ تَقَرُّ.
وكلِمة {تَقَرَّ} مَأخُوذة إمَّا من القَرار وإمَّا من القَرُورة والبَرْد، وذلك أن العَيْن إذا برَدَتْ فمَعناها أنها غَيرُ حَزينة، وإذا حَمِيَت فمَعناها الحُزْن؛ ولهذا يُقال: دَمْع الحُزْن حارٌّ؛ لأنه يَخرُج من العَيْن إذا حَمِيَت من الحُزْن، أمَّا إذا لم يَكُن هناك حُزْن فإنها تَبرُد وتَستَقِرُّ.
وقوله تَبَارَكَ وَتَعَالَى:{وَلَا يَحْزَنَّ} مَعطوفة على قَوْله تعالى: {تَقَرَّ}، و {تَقَرَّ} مَنصوبة بـ (أَنْ) و {يَحْزَنَّ} مَعطوف عليه، وليس مَنصوبًا، ولكِنْ مَبنيٌّ على السُّكون؛ لاتِّصاله بنُون النِّسوة، ونونُ الفِعْل مُدغَمة في نون النِّسوة؛ لأن {يَحْزَنَّ} هذا الفِعْلُ، والنونُ الثانية هي نونُ النِّسوة، وهي فاعِل.
وقوله تعالى:{وَيَرْضَيْنَ} الواو حَرْف عَطْف، {وَيَرْضَيْنَ} مَعطوف على {تَقَرَّ}، وليس على {يَحْزَنَّ}؛ لأنه لو كان على {يَحْزَنَّ} لفَسَد المَعنَى؛ إذ لو كان مَعطوفًا على {يَحْزَنَّ} لكان المَعنَى: ولا يَحزَنَّ ولا يَرْضَيْنَ، والمُراد خِلاف ذلك،