للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

شكَرَ اللَّه تعالى لهنَّ، وقال تعالى: {لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلَا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ}، وعلى هذا يَكون هذا من باب الجَزاء العاجِل، ولهُنَّ الجَزاء الآجِل أيضًا؛ لأنهن لمَّا اختَرْن اللَّه تعالى ورسوله -صلى اللَّه عليه وسلم- على الدُّنيا وزِينتها شكَرَ اللَّه تعالى لهُنَّ، فمنَع نبيَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- من أن يَتَزوَّج بسِواهُنَّ، أو أن يُطلِّق واحِدة ويَتَزوَّج سِواها فقال تعالى: {لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ}، وهذا أحَدُ القَوْلين في الآية.

والقول الثاني: أن مَعنَى الآية {لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ} أي: مِن بعد ما ذكَرْنا لك، وهو قوله تعالى: {إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالَاتِكَ اللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ} [الأحزاب: ٥٠].

والمَعنَى على هذا: لا يَحِلُّ لك النِّساء من بعدِ ما ذكَرْنا لك، وعليه فلا يَحِلُّ للنبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- أن يَتَزوَّج امرأة من العرَب سِوى بناتِ عَمِّه وبناتِ عمَّاته وبنات خاله وبنات خالاته اللاتي هاجَرْن معه، ولا يَحِلُّ له أن يَتَزوَّج امرأةً من أهل الكِتاب؛ لأنها ليسَتْ من هؤلاء.

واختار ابنُ جَريرٍ (١) رَحِمَهُ اللَّهُ أن الآية شامِلة للمَعنَيَيْن جميعًا، فلا يَحِلُّ له أن يَتَزوَّج على أُمَّهات المُؤمِنين، ولا أن يَتَزوَّج سِوى هؤلاء.

فإن قُلْت: أفَلَا يُمكِن أن نَقول: إن المَعنى الأوَّل الذي هو: لا يَحِلُّ لك النِّساء سِوى هؤلاء النِّساءِ، يَدخُل فيه المَعنى الثاني، فلا حاجةَ إلى القول الثاني. أي: إذا قُلْنا لك: لا يَحِلُّ لك سِوى هؤلاءِ اللَّاتي معَك. فإن هذا يَدخُل فيه القَوْل الثاني: إنه لا يَحِلُّ له سِوى مَن ذُكِر: {إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ} فما فائِدة القَوْل الثاني إِذَنْ؟


(١) تفسير الطبري (١٩/ ١٥٠).

<<  <   >  >>