الجَوابُ: أنه لو قُدِّر أن هؤلاءِ النِّساءَ مُتْنَ في حَياة الرسول عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فهل يَحِلُّ له أن يَتزَوَّج سِوى هؤلاءِ اللَّاتي أحَلَّ اللَّه تعالى له؟ فحِينئذ يَكون للقول الثاني فائِدة، وهذه الفائِدةُ تَظهَر فيما لو قُدِّر أن زَوجاتِ الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- اللَّاتي معه يَتَوَفَّيْن قبلَه، فإنه لا يَحِلُّ له من النساء إلَّا ما ذكَرَ اللَّه تعالى:{وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالَاتِكَ}.
قال اللَّه تعالى:{وَلَا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ} قال المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ: [بتَرْك إِحْدى التاءَيْن في الأَصْل] وهي كلِمة {تَبَدَّلَ} أَصْلها: تَتبَدَّل، والدَّليل على أن أَصْلها تَتَبدَّل وأنها ليسَتْ فِعْلًا ماضيًا أنَّ (أَنْ) دخَلَت عليها ونَصَبَتْها، و (أن) لا تَدخُل وتَنصِب إلَّا المُضارِع، وإلَّا فإن كلِمة {تَبَدَّلَ} تَصِحُّ أن تَكون فعلًا ماضِيًا، لكنه لمَّا دخَلَت عليها (أَنْ) وعَمِلت فيها النَّصْب عُلِم أنه فِعْل مُضارِع حُذِفت منه إِحْدى التاءَيْن، ولهذا نَظير مِثْل قوله تعالى:{تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ}[القدر: ٤]، أي: تَتَنزَّل الملائِكة، وقوله تعالى:{فَأَنْذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّى}[الليل: ١٤] أَيْ: تَتَلظَّى.
فإن قال قائِل: طلاق الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- لبَعْض نِسائه مثل حَفْصةَ -رضي اللَّه عنها- ومُراجَعته مُنافٍ للمَعنَى الأوَّل، كيف يَكون مع هذا المَعنَى {لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ}؟
فالجَوابُ: أنه لا يُنافِي، فهو لا يَجوز أن يَتَزوَّج غيرَهُن؛ {لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ}، ولا يَجوز أنه يُطلِّق واحِدة ليَتزَوَّج أُخرى غيرَها {وَلَا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ} ولم يَقُلْ: ولا أن تُطلِّق، قال تعالى:{وَلَا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ} بأن تُطلِّق واحِدة وتَزوَّج غيرها.
فإن قال قائِل: هل مَقصِدها الالتِزام؟
فالجَوابُ: نعَمْ {وَلَا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ} بأن تُطلِّقَهن أو بعضَهن وتَنكِح