للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بَدَلَ مَن طلَّقْت، هذا أيضًا لا يَحِلُّ له، ولم يَفعَلِ النَّبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- بعد أن نزَلَت هذه الآيةُ، فإنه لم يُطلِّق واحِدة ليَتزوَّج أُخرى، ولا تَزوَّج عليهن سِواهن، بل بَقِين معه إلى أن تُوفِّيَ، ولكنه تُوفِّيَ له من زوجاته في حَياته زَوْجتان هما خَديجةُ وزينبُ بنتُ خُزَيْمةَ -رضي اللَّه عنها-، وهذه تَزوَّجها بعد أن استُشهِد زَوجُها في أُحُد، وبَقِيت عنده أَشهُرًا ثُمَّ تُوفِّيت (١)، والبَقيَّة من نِسائه تُوفِّي عَنهن.

قوله تعالى: {وَلَا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ} المُرادُ الحُسْن الظاهِر، أو الحُسْن الباطن، أو كِلاهما؟

يَشمَل هذا وهذا، فالنَّبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- كغيره من البَشَر، قد يَتزوَّج المرأة لجَمالها لكن مع الدِّين، وقد يَتَزوَّجها لدِينها أو لمَعرِفتها وفَهْمها، فقوله تعالى: {وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ}، يَشمَل الحُسْن الظاهِر والحُسْن الباطِن، وقوله تعالى: {أَعْجَبَكَ} أي: بلَغَ الِإعْجاب بك مِنك، أي: بلَغ الِإعجابُ مِنك، وذلك لكَمال حُسْنها الظاهِر والباطِن.

قال المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ: [{إِلَّا مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ} من الإِماء، فتَحِلُّ لك. . .] إلخ؛ يَعنِي: استَثْنى اللَّه عَزَّ وَجَلَّ ما ملَكَت يَمينه؛ وذلك لأن ما ملَكَت يَمينه لا يَحصُل للزوجة غَيْرةٌ منها، بخِلاف الزوجة، وإنما لا يَحصُل للزوجة غَيْرةٌ من مِلْك اليَمين؛ لأنها لا تُسامِيها ولا تُساوِيها؛ ولأنها ليس لها قَسْم، فإن مِلْك اليَمين لا يَجِب لهُنَّ القَسْم.

قوله تعالى: {وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيبًا} لمَّا بيَّن اللَّه عَزَّ وَجَلَّ ما أَحَلَّ لرسوله -صلى اللَّه عليه وسلم- وما حرَّم عليه ختَمَ الآية بذِكْر رَقابَته تَبَارَكَ وَتَعَالَى على كل شيء، بيَّن اللَّه تعالى رَقابتهُ


(١) أخرجه الحاكم في المستدرك (٤/ ٣٣)، وانظر: الاستيعاب (٤/ ١٨٥٣).

<<  <   >  >>