وقوله تعالى:{فَانْتَشِرُوا} أي: تَفرَّقوا؛ قال المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ: [{وَلَا} تَمْكُثوا {مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ}]، أَفادَنا المُفَسِّر بقوله: [{وَلَا} تَمْكُثوا] أن كلِمة {مُسْتَأْنِسِينَ} حال من فاعِل مَحذوف مع فِعْله، والتَّقدير: ولا تَمكُثوا مُستَأنِسين لحديثٍ.
والاستِئْناس بالشيء مَعناه: الاطمِئْنان إليه، يَعنِي: لا تَبقَوْا بعد الأكل تَتَحدَّثون وتَنبَسِطون وتَطمَئِنُّون، وأمَّا الحديث العابِر فلا بأسَ به بعد الأَكْل، ولكن هذا ليس من آداب الطاعِم على كل حال؛ لأنه عُلِّل، قال تعالى:{إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ}.
قال المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ: [{مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ} من بَعْضكم لبَعْض {إِنَّ ذَلِكُمْ} المُكْثَ {كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ} أن يُخرِجَكم {وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ} أن يُخرِجَكم]. وعلى هذا فيُنهَوْن عن البَقاء مُطمَئِنِّين للحديث لِعِلَّة وهي الأذِيَّة، أذِيَّة النبيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، وبِناءً على هذه العِلَّةِ لو قُدِّر أنه لا يَتَأذَّى بذلك فلا حَرَجَ على الإنسان أن يَبقَى.
وقوله تعالى:{إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ}، أَعاد الاسمَ الظاهِر في مَوضِع الضمير؛ تَعْلِيةً لشأن الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم-، وإلَّا لكان المُتوقَّع أن يَقول: إن ذَلِكم كان يُؤذيه، ولكن قال تعالى:{يُؤْذِي النَّبِيَّ} إِعلاءً لشَأْنه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وإشارة إلى أنه لنُبوَّته يَجِب أن يَتَحاشَى المَرءُ أَذِيَّته لما له من الفَضْل.
وقوله تعالى:{إِنَّ ذَلِكُمْ} لماذا جَمَع فيها الخِطاب؟
الجَوابُ: لأن المُخاطَبِين جَمْع، واسمُ الإشارة إذا اقتَرَن بالكاف فإنه يُراعَى فيه المُخاطَب والمُشار إليه، والمُشارُ إليه يَتَغيَّر به اسمُ الإشارة، والمُخاطَب تَتَغيَّر به الكاف.