للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وهو جائِع حتى كاد يَسقُط مَغشِيًّا عليه من الجوع، فلمَّا خرَجَ الناس تَبع عُمرَ بن الخَطَّاب -رضي اللَّه عنه- يَسأَلُه عن آية من كِتاب اللَّه تعالى، وأبو هُريرةَ -رضي اللَّه عنه- حينما سأَله عن الآية يَعرِف الآية لكن يُؤَمِّل لعَلَّ عُمرَ -رضي اللَّه عنه- يَقول: اتْبَعْنِي. ولكن عُمرَ -رضي اللَّه عنه- لم يُفكِّر في هذا الأَمْرِ، أَخبَرَه بالآية ومَضَى، يَقول: فلمَّا جاء الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- ورآني عرَف ما في وَجْهي. فدَعاه فدخَل، فجِيء بلَبَن إلى النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- فأَمَرَه أن يَدعُوَ أهل الصُّفَّة -وأهلُ الصُّفَّة: همُ الفُقَراء المُهاجِرون الذين ليس لهم مَأوًى في المَدينة، كان لهم صُفَّة في المَسجِد يَجتَمِعون فيها، أحيانًا يَبلُغون الثَّمانين، وأحيانًا يَكون أكثَرَ، وأحيانًا يَكون أقَلَّ- يَقول: لمَّا قال: ادْعُ أهل الصُّفَّة. واللَّبَن قليل، فكأنه تَردَّد -رضي اللَّه عنه- وقال: ما يُغنِي هذا اللَّبَنُ لأهل الصُّفَّة؟ فإذا دَعَوْت أهل الصُّفَّة وشَرِبوا اللبَن بَقِيتُ أنا جائِعًا، ولكن لم يَكُن لي بُدٌّ من طاعة اللَّه تعالى ورسوله -صلى اللَّه عليه وسلم-، فذهَبَ فدعا أهل الصُّفَّة فجاؤُوا فشَرِبوا، كُلٌّ يَشرَب من هذا اللَّبَنِ، وكُلٌّ يَشرَب، فلمَّا بَقِيَ بقيَّةٌ قال: "اشْرَبْ". يَقول: فَشَرِبت حتى رَوِيتُ. فقال: "اشرَبْ أبا هرٍّ"، فقلتُ: واللَّه يا رسول اللَّه لا أَجِد له مَسارًا. فبَقِيَت بقيَّةٌ فشَرِبها النبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- (١).

ففي هذه دَعوة عامَّة ودعوة خاصَّة، وكذلك في حديث أنَسٍ -رضي اللَّه عنه- لمَّا صنَع النبيُّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ طعامًا، قال: اخرُجْ فادْعُ لي مَن لَقِيتَ (٢)؛ فإذا دُعِيَ المُسلِمون إلى طعام فادْخُلوا، {وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا} ولم يَقُل: فإذا شبِعْتُم. قال: إذا طَعِمْتُم؛ لأن الطَّعام قد يُشبع وقد لا يُشبع.


(١) أخرجه البخاري: كتاب الرقاق، باب كيف كان عيش النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وأصحابه، رقم (٦٤٥٢)، من حديث أبي هريرة -رضي اللَّه عنه-.
(٢) أخرجه البخاري: كتاب النكاح، باب الهدية للعروس، رقم (٥١٦٣) معلقًا، ومسلم: كتاب النكاح، باب زواج زينب بنت جحش، رقم (١٤٢٨)، من حديث أنس -رضي اللَّه عنه-.

<<  <   >  >>