وقوله تعالى:{غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ} جاءت مَنصوبةً، مع أن الذي قَبْلها مَجرور -يَعنِي: لم تَكُن بلَفْظ: إلى طَعام غيرِ ناظِرين إِناهُ-؛ لأنها حال من الكاف في قوله تَبَارَكَ وَتَعَالَى:{يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ}، أي: حالَ كَوْنِكم غيرَ ناظِرين إِناهُ، فإن كُنْتم مُنتَظِرين نُضْجَه وتَتَحرَّون نُضْجه فلا تَدخُلوا عليه أيضًا؛ لما في ذلك من الإِشْقاق والأَذِيَّة.
وقوله تعالى:{إِنَاهُ} يَقول المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ: إنها [مَصدَر أَنَى يَأنِي] إِنًى، فهي ليس فيها شيء مَحذوف، يَعنِي: لست (إِناءَه) في الأصل، بل هي (إِناهُ) أصلًا وفَرْعًا، مَصدَر أَنى يَأنِي إِنًى.
وقوله تَبَارَكَ وَتَعَالَى:{وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا} لمَّا كان قوله تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ} قد يَتوَهَّم منه واهِمٌ أنهم لا يَدخُلون أبَدًا؛ قال تعالى:{وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا}، فكان في قوله تعالى:{وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا} كان فيه فائِدة، وهي أنهم متَى دُعوا دَخَلوا، فكَوْنهم هم يَدخُلون بأنفسهم لا يَجوز إلَّا بالشُّروط السابِقة، لكن إذا دُعوا فإنهم يَدخُلون، فإذا طعِموا فإنهم يَنتَشِرون؛ ولهذا قال تعالى:{وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا}، أي: ولا تَدخُلوا بغير دَعْوة.
وهذا غير قوله تعالى:{إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ}؛ لأن (يُؤذَن) مَعناها: أنهم جاؤُوا فاستَأْذَنوا، وأمَّا التي معَنا -الجُمْلة الثانية {وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ} - فهُنا هم الذين دُعُوا.
وقد كان الرسول عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ يَدْعو الناس إلى طَعامه، كما دعا أبو هُريرةَ -رضي اللَّه عنه- حين وَجَدَهُ جائِعًا في يوم من الأيام، فقد خرَج أبو هُريرةَ -رضي اللَّه عنه- من بيته