المُهِمُّ: أن قوله تعالى: {غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ} هذا شَرْط، يَعنِي: لا يَجوز لكم أن تَتَحرَّوا إِنَى الطَّعام حتى تَدخُلوا لما في ذلك من التَّضيِيق على النبيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، ويُحتَمَل أن المَعنَى: لا تَدخُلوا مُبكِّرين بحيث تَبقَوْن في البيوت حتى يَنضَج الطعام؛ لأن في هذا أيضًا إِشْقاقًا على صاحِب البيت، فإذا كان تَجهيز الغَداء في الساعة الواحِدة، فجاء هؤلاءِ في الساعة الثانيةَ عشْرةَ، فانتَظَروا ساعة، وهذا فيه تَضيِيق على النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، والنبيُّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ حَيِيٌّ كريم، لو استَأْذَنوا عليه قبل نُضْج الطعام بساعة لم يَرُدَّهم -صلى اللَّه عليه وسلم-، وإن كان يَتَأذَّى بذلك، لكن لكَرَمه وحَيائِه لا يَرُدُّهم.
فتَبيَّن بهذا النَّهي عن دُخول بيوت النبيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ إلَّا بثَلاثة شُروط:
١ - الإِذْن.
٢ - وأن يَكون إلى طعام.
٣ - وأن يَكونوا غير ناظِرين إِناهُ.
ولكن {إِلَى طَعَامٍ} يَقولون: إن هذا ليس بشَرْط؛ لأنه قَيْد لبَيان الواقِع فلا مَفهومَ له، وكلُّ قَيْد لبَيان الواقِع فإنه لا مَفهومَ له؛ ولهذا لو دُعُوا إلى غير الطَّعام فلا بَأسَ أن يَدخُلوا.
وقوله تعالى:{إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ} قال المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ: [في الدُّخول بالدُّعاء {إِلَى طَعَامٍ}]، فأَفادَنا المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ أن قوله تعالى:{إِلَى طَعَامٍ} لا يَتَعلَّق بقوله تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ} إلَّا على وَجْه التَّضمين؛ لأن (يُؤذَن) لا تَتَعدَّى بـ (إلى)، وإنما تَتَعدَّى بـ (فِي) أو باللَّام، لكنها باللَّام للمَأذون له لا للمَأذون إليه، فتَتَعدَّى بـ (في): إلَّا أن يُؤذَن لكم في طَعام، لكنها جاءت بـ (إلى)؛ لأن الإِذْن هُنا ضُمِّن مَعنَى الدُّعاء، يَعنِي: إلَّا أن تُدْعَوْا إلى طعام.