للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قوله تعالى: {إِلَى طَعَامٍ} قُلْنا: لا يَدخُل؛ لأن اللَّه تعالى قال: {إِلَى طَعَامٍ}، ولكنَّنا نَقول: إن هذا القَيْدَ بَيان للواقِع، وما كان بَيانًا للواقِع فإنه لا مَفهومَ له، فالآية ورَدَت في قضية مُعيَّنة وهي دُخول هَؤلاءِ إلى الطَّعام بدون دَعْوة؛ فلهذا قُيِّدَت بقَوْله تعالى: {إِلَى طَعَامٍ}.

والثالث: قوله تعالى: {غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ}، ناظِر إن تَعَدَّت بـ (إلى) فهي من النَّظَر بالعَيْن، وإن تَعدَّت بنَفْسها فهي بمَعنَى: الانتِظار، تَقول: نظَرْت إليه. وتقول: نظَرْتُه. بمَعنَى: انتَظَرْته، قال اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ} [الأنعام: ١٥٨]، و {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ} [الأعراف: ٥٣]، والمَعنَى: هل يَنتَظِرون؛ لأنها تَعَدَّت بنَفْسها، وقوله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (٢٢) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة: ٢٢ - ٢٣]، هذا من النَّظَر بالعَيْن؛ وهنا {نَاظِرِينَ} مُتعَدِّية بنَفْسها، فتَكون بمَعنَى: مُنتَظِرين.

وقوله تعالى: {إِنَاهُ} أي: نُضْجه؛ وهل هذا شَرْط أم لا؟ نَقول: إنه شَرْط لجَواز الدُّخول أن يَدخُلوا لطعام غير مُنتَظِرين نُضْجَه، وكانوا يَتَحرَّوْنَ نُضْجَ الطعام، فإذا تَحَرَّوْا أنه قد نَضِج وقارَب أن يُقدَّم أو قُدِّم دخَلوا البيوت؛ لكي يَأكُلوا.

ولا شَكَّ أن مُفاجأة الإنسان عند أَكْله تُؤذِيه، ويُسمَّى هذا الذي يَفجَأُ الناس عند تَقديمهم الطعامَ يُسمَّى طُفَيْليًّا، وضَيْفَن بالنون؛ لأن هذه مِثل الذي يَتَّكِئ على عصًا كأنه ثَقيل، فإذا كان عِندك ضَيْف لا تُحِبُّ أن يَكون عندك، فقُلتَ لصاحِبك: هل عِندك ضَيفٌ؟ قلت: لا، عِندي ضَيْفَن. يَعنِي: ثَقيل، طُفَيْليٌّ جاء بلا دَعوة، ونام على نَهْض (١) صاحِب البيت، فلا يَتَزَحْزَح ولا يَخرُج، ويَتَطلَّب: هاتِ ماءً، هاتِ شرابًا، هات كذا، أُريد الحَمَّام، أُريد أن أَروح لكذا. . . فيُتْعِبك.


(١) النهض من البعير: ما بين المنكب والكتف. تاج العروس (نهض).

<<  <   >  >>