المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّه- هو الإخراجُ، يَعنِي لا يَستَحْيِي أن يُخرِجَكم، ولكن الصواب لا يَستَحي أن يُبيِّن لكم ما يَلزَمكم فتَخرُجوا.
ثُمَّ قال المُفَسِّر عفا اللَّه عنه:[أي: لا يَتْرُك بَيانَه]، أي: لا يَترُك بَيان الحَقِّ، وهذا من التَّحريف؛ حيث فسَّر الحَياء بلازِمه وهو التَّرْك؛ لأن من لازِم الحَياء من الشيء أن يَدَعه حَياءً منه، فالمُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ فسَّر الحَياءَ بلازِمِه وهو التَّرْك، أي: لا يَترُك بَيان الحَقِّ، وفي قوله: لا يَتْرُك بَيان الحَقِّ. مع قوله: [{لَا يَسْتَحْيِي} أن يُخرِجَكم] هناك شيء من التَّناقُض؛ لأنه جعَل المُستَحْيَا منه هنا بيانَ الحَقِّ وجعَله في القول الأوَّلِ الإخراجَ، والصواب قوله الثاني، أي: لا يَستَحي من بَيان الحَقِّ، لكن تَفسيره الاستِحياءَ بالتَّرْك هذا باطِل؛ لأنه خِلاف ظاهِر اللَّفْظ.
والواجِبُ عَلَيْنا فيما يَتعَلَّق بأَسماء اللَّه وصِفاته: أن نُجْرِيَها على ظاهِرها اللائِق باللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، مُعتَقِدين أنه لا مَثيلَ له في هذه الصِّفَةِ، ومُبتَعِدين عن تَكليفها، أمَّا وُجوب إِجْرائها على ظاهِرها؛ فلأن اللَّه تعالى خاطَبَنا بلِسان عرَبيٍّ مُبِين، ولو أَراد خِلاف ذلك الظاهِرِ لكان التَّعبيرُ بهذا الذي يُفيد ظاهِرُهُ الكُفْرَ أو التَّمثيلَ خِلافَ البَيان، واللَّه عَزَّ وَجَلَّ يَقول:{يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ}[النساء: ٢٦]، فكيف يُعبِّر تَبَارَكَ وَتَعَالَى أو يَتكَلَّم بما هو خِلاف البَيان فيما يُعتَبَر صميمَ العَقيدة، وهو ما يَتعَلَّق بأسماء اللَّه تعالى وصِفاته؟ ! ولهذا كان طريقُ هَؤلاء المُنحَرِفين من أبلَغِ ما يَكون طَعْنًا في كلام اللَّه عَزَّ وَجَلَّ، بل من أَبلَغِ ما يَكون طَعْنًا في اللَّه تعالى نَفْسه؛ إذ إن طَريقَتَهم تَستَلْزِم أن يَكون اللَّه عَزَّ وَجَلَّ لم يُبيِّن الحقَّ فيما يَتعَلَّق بأسماء اللَّه تعالى وصِفاته، وجعَل الحَقَّ مَوْكولًا إلى ما تَقتَضِيه عُقولهم، ويُحاوِلون بعد ذلك أن يَرُدُّوا كلام اللَّه عَزَّ وَجَلَّ وكلام رسوله -صلى اللَّه عليه وسلم- إلى ما تَقتَضيه هذه العُقولُ الفاسِدةُ المُتَناقِضةُ، والطريق الأَسلَمُ والأَعلَمُ والأَحكَمُ هي