ثَقيلة تَهجُم على المُخِّ فتُفقِد الوَعْيَ والإِحساس، فلو تَصوَّرتُ أن هذا هو النَّوْم ما جاءَني نَوْم، فلا أتصَوَّر أنه غَشْية! .
وكذلك: الجَوْع، من صِفات البَطْن من قِلَّة الطعام، هذا أثَرُه، أمَّا هو فإنه مَعروف. فهذه المَعانِي النَّفسِية لا يُمكِن في الحقيقة أن يُعرِّفها أحَدٌ، ولا يُمكِن أن تُعرَّف بأَوْضَحَ من لَفْظها.
إِذَنِ: الحَياء مَعروف، والنبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- يَستَحْيِي من هؤلاء؛ لأنه -صلى اللَّه عليه وسلم- أَكمَلُ الناس إيمانًا، والحياءُ من الإيمان؛ ولأنه -صلى اللَّه عليه وسلم- أَكرَمُ الناس، والكريم يَستَحْيِي من ضَيْفه أن يُخرِجَه، أو أن يَتَبرَّم بوُجوده، أو أن يَتكَرَّهَ له؛ ولهذا الرسولُ -صلى اللَّه عليه وسلم- يَصبِر وإن كان مُتَأذِّيًا من ذلك؛ لمَا جَبَلَهُ اللَّه تعالى عليه من كمال الإيمان وكمال الكرَم، فيَستَحْي منكم.
قال المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ: [{فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ} أن يُخرِجَكم] قوله رَحِمَهُ اللَّهُ: [أَنْ يُخرِجَكم]، هذه في مَحَلَّ جَرِّ بدلِ اشتِمال؛ لأن التَّقدير: فيَستَحْيِي من إخراجِكم.
قوله تَبَارَكَ وَتَعَالَى:{وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ}، والحقُّ هو: العَدْل في الأحكام، والصِّدْق في الأخبار، فالرَّبُّ عَزَّ وَجَلَّ لا يَستَحْي من الحقِّ؛ لأن الحَياء من الحقِّ يَستَلزِم تَرْك الحقِّ والخَوَر وعدَم الحَزْم، واللَّه عَزَّ وَجَلَّ لا يَستَحْيي من أن يُبيِّن الحقِّ.
ويَقول المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ: [{لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ} أن يُخرِجَكم]، هكذا قال المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ، وفيما قاله نظَر، بلِ الصوابُ:{لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ} أَنْ يُبيِّنَه لكم؛ لأن المَقام هنا ليس مَقام إخراجٍ، بل المَقامُ مَقامُ تَبْيِين لما يَجِب على هؤلاء الذين استَأْذَنوا على الرسول عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، فالمَعنَى: لا يَستَحْيِي من الحَقِّ، كما قلتُ: إن الحَقَّ هو الصِّدْق في الأخبار والعَدْل في الأحكام، بينما المُراد بالحَقِّ هنا -على رَأْي