للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كذوب، قد يَكذِب علينا.

ولو جاءَنا رجُل عالِم، وصَدوق، لكنه سَيِّئُ الإرادة قد يَغُشُّ ويَقصِد ضَلال الخَلْق، هذا أيضًا لا نَثِق به؛ لأننا نَخْشَى أن يَغُشَّنا فيما قال.

ولو جاءَنا إنسان عالِم، وناصِح، وصَدوق، لكن ما يُحسِن يُعبِّر، مثل إنسان فارِسيٍّ لا يَعرِف باللغة العربية، وقام يُعبِّر باللغة العربية؛ فلا نَثِق بقوله؛ لأنه لا يُحسِن التعبير، فأحيانًا يَقول إذا أَراد أن يُضيف الضَّمير إلى نَفْسه: أنت أكَلْت. أي: أنه إذا أَراد أن يَقول: أنا أَكَلْتُ. يَقول: أنتَ أكَلْتَ. وإذا أَراد أن يَقول: أنت أكَلْتَ. يَقول: أنا أَكَلْتُ. فلا نَثِقُ بكلامه، لأنه قد يَقلِب الكلام؛ لأنه عَيِيٌّ.

لكن كلام اللَّه تعالى وكلام الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- اجتَمَعَت فيه صِفات القَبول الأَرْبَع؛ فلهذا يَجِب عَلينا أن نُؤْمِن بكل صِفة وَصَفَ اللَّه تعالى بها نَفْسَه.

فإن قال قائِل: الآية وما أَشبَهَها فيها نَفيُ الحَياء، والنَّفيُ ضِدُّ الإثبات، فكيف تَقول: إن في الآية إِثباتَ الحَياء؟ !

فالجَوابُ: مَنطوق الآيةِ {وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ}، ومَفهومها: يَستَحْيِي من غير الحَقِّ؛ إذ لو لم يَكُن الأمر كذلك لكان نَفيُ الاستِحْياء عن الحقِّ لَغْوًا من القَوْل لا مَعنَى له.

ثُمَّ نَقول: إنه قد ثَبَتَتْ صِفة الحَياء للَّه عَزَّ وَجَلَّ بصيغة الإثبات، كما في الحَديث الذي في المُسنَد: "إِنَّ اللَّهَ حَيِيٌّ كَرِيمٌ" (١) فـ (حَيِيٌّ) فيها إثبات الحَياء للَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.


(١) أخرجه الإمام أحمد (٥/ ٤٣٨)، وأبو داود: كتاب الصلاة، باب الدعاء، رقم (١٤٨٨)، والترمذي: كتاب الدعوات، باب ١٠٥، رقم (٣٥٥٦)، وابن ماجه: كتاب الدعاء، باب رفع اليدين في الدعاء، رقم (٣٨٦٥) من حديث سلمان الفارسي -رضي اللَّه عنه-.

<<  <   >  >>