فكُلُّ صِفة أَثبَتَها اللَّه تعالى لنَفْسه؛ فإنه يَجِب علينا أن نَأخُذها بالقَبول، ولكنَّنا نُنزِّهُ اعتِقادنا عن محَذورين عظيمَيْن وهما: التَّمثيل، والتَّكييف.
والتَّعبير بـ (التَّمثيل) أحسَنُ من التعبير بـ (التَّشبيه)؛ لأن هذا هو الذي نَفاه اللَّه تعالى عن نَفْسه؛ ولأن نَفيَ التَّشبِيه المُطلَق هذا ليس بصواب، كما ذَكَرْنا أنه ما من مَوْجودَيْن إلَّا ويَشتَرِكان في صِفة الوُجود، وإِنْ كانا يَتَبايَنان فيما تَقتَضِيه هذه الصِّفةُ في مُقتَضياتها ومُستَلزَماتها، وما من سَمِيعَيْن إلَّا ويَشتَرِكان في صِفة السَّمْع وإن كانا يَختَلِفان في مَلزوماتها ومُقتَضَياتها، وما مِن بَصِيرَين إلَّا ويَشتَرِكان في صِفة البَصَر، فيَكون بينهما مُشابَهة من بعض الوُجوه فيما يَشتَرِكان فيه؛ ولهذا فنَفيُ التَّمثيل هو الذي يَنبَغِي لنا -مَعشَرَ طلَبةِ العِلْم- أَنْ نُعبِّر به؛ لأنه هو الذي جاء في القُرآن وهو أَسلَمُ.
فإن قال قائِل: هل التَّعبيرُ بـ (تَشبيه) يَكون فيه قُصور، لا يُؤدِّي المَطلوب؟
فالجَوابُ: أنه لا يُؤدِّي المَطلوب، وفيه قُصور؛ لأنه بخِلاف تَعبير القُرآن، ولأن هذا أدَّى إلى أن تُنْكَر كثيرٌ من الصِّفات بهذه الدَّعوى؛ ولهذا شَيْخ الإسلام ابنُ تَيميَّةَ رَحِمَهُ اللَّهُ في العَقيدة الواسِطية لم يَقُلْ: من غير تَشبيه، قال:"مِن غَيْر تَحريف ولا تَعطِيل ولا تَكْيِيف ولا تَمثِيل"(١)، وهذا هو الأَوْلى.
قال المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ: [{وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ} أي: لا يَتْرُكُ بَيانَه، وقُرِئ:"يَسْتَحى" بياءٍ واحِدة]، فـ (قُرِئ) تَعنِي: قِراءة شاذَّة؛ لأن قاعِدة المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ أنه إذا قال:(وَقُرِئَ)، فهي قِراءة شاذَّة بخِلاف ما إذا قال:(وفِي قِراءَةٍ)، أو قال: بالياء والنون، أو بالياء والتاء، وما أَشبَهَ ذلك؛ فهما قِراءَتان سَبْعِيَّتان.