للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقوله تعالى: {وَمَا كَانَ لَكُمْ} الخِطاب للصَّحابة -رضي اللَّه عنهم-، وكذلك مَن بَعدَهم من بابِ أَوْلى؛ (مَا كَانَ لَكُمْ)، ومِثْل هذه العِبارةِ تَدُلُّ على المُمتَنِع غايةَ الامتِناع؛ ولهذا قال المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ: [{وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ} بشَيْء] ولم يُبيِّنها، يَعنِي: لا يَصلُح ولا يَستَقيم، ولا يُمكِن لكم أن تُؤذوا رسول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

ومِثْل هذا التَّعبير يَدُلُّ على امتِناع الشيء مثل قوله تعالى: {مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ} [المؤمنون: ٩١] المَعنَى أن ذلك مُمتَنِع لا يَصلُح ولا يَستَقيم، فكلُّ مُؤمِن لا يُمكِن في حَقِّه ولا يَستَقيم ولا يَصلُح في حَقَّه أن يُؤذِيَ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لا بالقول ولا بالفِعْل: {إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا}، وأَذِيَّة الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- من أعمال المُشرِكين، فهُمُ الذين يُؤذون الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- بالقَوْل وبالفِعْل.

وقال تعالى: {وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ} [الأحزاب: ٥٣]، وهنا قال: {أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ}، وأوَّلُ آية يَقول: {النَّبِيِّ} إشارةً إلى أن الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- شَرُفَ لعِظَمَ مَن أَرسَله وهو اللَّه تعالى، فلمَّا كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فلا يُمكِن أن يُؤذَى؛ لأنه رسول من عِند اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى، أَذِيَّة الرسول عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ في حَياته ما يَتَّصِل بشَخْصه، وأَذِيَّة الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- بعد مَماته ما يَتَّصِل بسُنَّته، فإنه لا يَنبَغي ولا يَصلُح لأيِّ مُؤمِن أن يَقول في سُنَّة الرسول عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلَامُ على وَجْهٍ يَتَأذَّى به الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- مثل رَدَّها وتَحريفها وما أَشبَهَ ذلك، قال تعالى: {وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ}.

إِذَنْ: هل نَجلِس مُستَأنِسين للحديث بعد الطَّعام، يَعنِي: في حقِّ الرسول عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ؟

<<  <   >  >>