الْفَائِدَة الأُولَى: في قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ} أنه لا يَحِلُّ لأحَد من المُؤمِنين أن يَدخُل بُيوت النَّبيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ إلَّا بالشُّروط المَذكورة؛ لقوله تعالى:{لَا تَدْخُلُوا}، والأصل في النَّهي التَّحريم حتى يَقوم دليلٌ على أنه لغَيْر التَّحريم، ويُؤيِّد التَّحريم هنا أن هذا يَتعَلَّق بحقِّ الآدَميِّ، وما كان مُتعلِّقًا بحَقِّ الآدَميِّ فإنه لا يُسامَح فيه.
الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ: أن الإضافة تَكون لأَدْنى مَلابَسة؛ فإضافة الشيء إلى الشيء تَكون لأَدْنى مُلابَسة، سواءٌ كان ذلك على صِفة المِلْكِيَّة أو الاخْتِصاصيَّة أو الصُّحْبة أو القُرْب أو غير ذلك؛ ولهذا من قَواعِدهم المَعروفة: أنَّ الإضافة تَكون لأَدْنى مُلابَسة، لكن لا بُدَّ أن يَكون بين المُضاف والمُضاف إليه شيء من الارتباط؛ تُؤخَذ هذه من قوله تعالى:{بُيُوتَ النَّبِيِّ}؛ لأن إضافتَها إلى النبيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ باعتِبارها مَأواهُ، وإلَّا فهي مِلْك لزوجاته على القولِ الراجِح.
الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ: أن الإِذْن بالدُّخول مُعْتَبر، سواء كان من صاحِب البَيْت أو مِمَّن أَنابَهُ؛ لقوله تعالى:{إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ}، ولم يَقُل: إلَّا أن يَأذَن لكم -أي: النبيُّ- فإذا أُذِن للإنسان للدُّخول سواءٌ كان من صاحِب البَيْت أو من خادِمه أو من ابنِه أو ما أَشبَه ذلك جاز الدُّخول، وهل يُستَفاد من جَواز الدُّخول إذا وَجَدْت الباب مَفتوحًا وقد كان بينَك وبين صاحِبك وَعْد؟
الجَوابُ: إن قُلْنا بأن الإِذْن العُرفيَّ كالإِذْن اللَّفْظيِّ فهو مُستَفاد من ذلك، ويُؤيِّد هذا قولُه تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا}[النور: ٢٧]، فإن الاستِئْناس -وهو الاطْمِئْنان- يَشمَل الاستِئْذان