وعلى هذا فالعِظَمُ مَعناهُ: عِظَم الشيء، يَعنِي: كِبَره، وهو شامِل لما يَكون مَدْحًا، ولما يَكون ذَمًّا، فهنا كان عند اللَّه عَظيمًا في إِثْمه قال:[فيُجازِيكم عليه] على حسَب الذَّنْب الذي قُمْتم به؛ لأن الجَزاء من جِنْس العمَل، ونِكاح زَوْجات الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- من بَعدِه عَظيم عن اللَّه تعالى.
وقد حذَّر تعالى من مخُالَفة ذلك في قوله تعالى:{إِنْ تُبْدُوا شَيْئًا أَوْ تُخْفُوهُ}[الأحزاب: ٥٤]، والجُمْلة هُنا شَرْطية و {شَيْئًا} نَكِرة في سِياق الشَّرْط، فتَكون دالَّةً على العُموم:{إِنْ تُبْدُوا شَيْئًا}.
وقوله تعالى:{إِنْ تُبْدُوا شَيْئًا أَوْ تُخْفُوهُ} قال المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ: [في نِكاحِهِنَّ بَعدَهُ]، والصَّوابُ في الآية عدَمُ التَّقييد، وأنها عامَّة في كل شيء، في نِكاح زوجات النَّبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- بعده وفي غَير ذلك.
وقوله تعالى:{أَوْ تُخْفُوهُ} يَعنِي: فلا تُظهِروه لأَحَد، تُخفُوه في أَنفُسكم، أو تُخفوه فيما بينكم وبين أقارِبكم؛ لأن الإِخْفاء أو الإِظْهار أمرٌ نِسبِيٌّ، أشَدُّه ما أَخفاه الإنسان في نَفْسه، ثُمَّ ما أَظهَره لذَوِيه وأصحابه وأَخْفاه عن غيره، ثُمَّ ما أَظهَره لأهل بلَده، ثُمَّ ما أَظهَره لعُموم الناس، وأيًّا كان فإن كل ما أَبداه الإنسان أو أَخفاه {فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا}[الأحزاب: ٥٤].
وقوله:{فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا} الجُملة هنا جَواب الشَّرْط، واقتَرَنَت بالفاءِ؛ لأنها جُملة اسمِيَّة، {فَإِنَّ اللَّهَ} فهي جُملة اسمِيَّة وإن قُرِنت بـ (إنَّ) الدالَّة على التَّوْكيد، ووجهُ ارتِباطها بما قَبْلها -أي: بفِعْل الشَّرْط-: أنه إذا كان اللَّه تعالى عالِمًا به، فسَوْف نُجازِيكم عليه؛ إن خَيرًا فخَير، وإن شرًّا فشَرٌّ.