الحال الثالِثة: مَن فارَقَها في حياته بعد دُخوله بها، فهذه مَوضِع خِلاف بين أَهْل العِلْم.
فمِنهم مَن قال: إنها تَحِلُّ. ومِنهم مَن قال: إنها لا تَحِلُّ. وعلى هذا الرأي الذي يَقول: إنها لا تَحِلُّ؛ يَقول: إنه يَصْدُق عليها أنها زَوْجته، وأنها من بعده، ولولا أنَّ مَنْ عَقَدَ عليها ثُمَّ فارَقها قبل الدُّخول لولا الإجماعُ لقُلنا أيضًا لا تَحِلُّ لمَن بعدَه.
فصارتِ الأَحوالُ ثَلاثةً: مَن فارَقها بموته فهذه لا تَحِلُّ بالإجماع، ومَن فارَقها في حَياته قبل الدُّخول بها فهذه جائِزة تَحِلُّ لغيره، قال ابنُ كَثير رَحِمَهُ اللَّهُ: لا نِزاعَ في ذلك. ومَن فارَقها في حَياته بعد الدُّخول بها ففيها خِلاف بين العُلَماء رَحَمَهُم اللَّهُ، منهم مَن قال: إنها تَحِلُّ. ومِنهم مَن قال: إنها لا تَحِلُّ.
فائِدةٌ: لا نَعلَم أن أحَدًا تَزوَّج زوجة للرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- بعدَ الدُّخول بها.
وقوله تعالى:{كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمًا}: {كَانَ} هنا مُسلوبة الدَّلالة على الزمَن، والمُراد إثبات عِظَم ذلك عند اللَّه تعالى:{إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمًا}، وفي كَوْن هذا الأمرِ عَظيمًا عند اللَّه عَزَّ وَجَلَّ دليلٌ على حِماية اللَّه عَزَّ وَجَلَّ لرسوله -صلى اللَّه عليه وسلم-، ولا سيَّما فيما يَتعَلَّق بالنِّكاح؛ ولهذا قال اللَّه في قِصَّة الإِفْك:{إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ}[النور: ١٥].
فهُنا قال سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى:{إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمًا} عَظيمًا أي: في إِثْمه وجُرْمه.