للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

صاحِب البَيْت؛ ولأن الحاجة التي جاء من أَجْلها قد انتَهَت، وإذا تَأمَّلْت الشريعة وجَدت أن الإنسان من حُسْن أدَبه وسُلوكه أنه كلَّما فرَغ من حاجته التي يُريد: يَنتَهي منها ويَنصَرِف إلى حاجاتٍ أخرى؛ ولهذا قال النبيُّ عَلَيْهَ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ في المُسافِر: "إِذَا قَضَى حَاجَتَهُ فَلْيَعْجَلْ إِلَى أَهْلِهِ وَلَا يَنْتَظِرْ" (١).

ولو أننا حَفِظْنا أوقاتَنا بِمِثْل هذا الأدَبِ لكانت أَوْقاتُنا مُبارَكةً، لكن تَجِدنا نُضِيِّع أَوْقاتَنا، ولَسْنا نُراعِي هذه الحالَ، أنه كلَّما انتَهَى الشُّغْل لا نَنتَظِر، بل نَمشِي إلى شُغْل آخَرَ، كما قال اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ} [الشرح: ٧ - ٨]، فلا تُضيِّعِ الوقتَ.

الْفَائِدَةُ الثَّامِنَةُ: أن مَن دخَل بُيوت النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- بدَعوة، ثُمَّ طَعِمَ فإنه لا يَجلِس للحديث؛ لقوله تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ}، وهذا فَوْق قَولِه تعالى: {فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا}؛ لأن ذلك أَمْر، أمَّا هذا فنَهيٌ، يُنهَى أن يَبقَى هؤلاءِ المَدعُوُّون مُستَأنِسين للحديث بعد فَراغهم من الطعام.

الْفَائِدَةُ التَّاسِعَةُ: أن هذا الحُكمَ إنما يَكون في حال تَأذِّي صاحِب البيتِ؛ لقوله تعالى: {إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ} أمَّا إذا كان لا يَتأذَّى به بل يُسَرُّ به، بل قد يَكون بطلَبه، فإذا فرَغ من الطعام قال: انتَظِروا، اجلِسوا نَستَأنِس، ونَتحَدَّث، فإن هذا ليس مَنهيًّا عنه، بل جائِز، ولا بأسَ به؛ لأن القاعِدة عند أهل العِلْم رَحِمَهُم اللَّهُ: أنَّ الحُكْم يَدور مع عِلَّته وُجودًا وعدَمًا، فإذا وُجِدَتِ العِلَّة وُجِد المعلول، وإذا انتَفَتِ العِلَّةُ انتَفَى المَعلول.


(١) أخرجه البخاري: كتاب العمرة، باب السفر قطعة من العذاب، رقم (١٨٠٤)، ومسلم: كتاب الإمارة، باب السفر قطعة من العذاب، رقم (١٩٢٧)، من حديث أبي هريرة -رضي اللَّه عنه-.

<<  <   >  >>