وقوله:{عِنْدَ اللَّهِ} يَعنِي: في حُكْمه؛ لأن حُكْم اللَّه عَزَّ وَجَلَّ يُضَاف إليه، وهذا نَظير قوله تعالى في الذين يَرمُون المُحصَنات:{فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ}[النور: ١٣]، وتَأمَّل قوله تعالى:{فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ} فإذَا قذَف رجُلٌ امرأةً بالزِّنا، فهو باعتِبار الواقِع قد يَكون حقًّا أنها زَنَت، وقد يَكون كذِبًا، لكنها في حُكْم اللَّه تعالى كذِبٌ؛ ولهذا قال تعالى:{فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ}[النور: ١٣]، ما قال: فأُولئِك هم الكاذِبون؛ لأنَّه قد يَكون حقيقةً باعتِبار الواقِع، لكن في شَرْع اللَّه تعالى:{فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ}، ولهذا يَجِب عليهم حدُّ القَذْفِ إذا لم يَأتوا بأربَعةِ شُهداءَ.
وقوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى:{فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ} إن لم تَعلَموا آباءَ هَؤلاءِ الأَدْعياء، {فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ} يَعنِي: ليسوا أبناءَكم، يَعنِي: حتى في الحال التي لا يُعْرف لهذا الرَّجُلِ أبٌ، فإنه لا يَجوز أن يُنسَب إلى غير أبيه، ولكن يَكون أخًا لنا في الدِّين ومَولًى لنا إذا كان قد دخَل في مِلْكنا ثُم حرَّرْناه مثلًا؛ ولهذا قال النبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- في قصة اختِصام عليٍّ وجعفَرٍ وزيدِ ابن حارثةَ -رضي اللَّه عنهم-، قال لزَيدٍ -رضي اللَّه عنه-: "أَنْتَ أَخُونَا وَمَوْلَانَا"(١).
فهو (أخي) في الدِّين، وليس (ابنًا) لي، وهو أيضًا (مَوْلايَ) إذا كنت قد أَعتَقْتُه، ولو لم أَعرِف أباه فهو لا يُنسَب إليَّ.
ولهذا تَجِدون العُلَماء رَحِمَهُم اللَّهُ الذين يَكتُبون أسماءَ الرِّجال، عندما يَنسبون أحَدًا من الموالي إلى مَن أَعتَقَه يَقول:(القُرَشيُّ موْلَاهم) أو: (التَّميميُّ مَوْلاهم)؛
(١) أخرجه البخاري: كتاب الصلح، باب كيف يكتب هذا: ما صالح فلان بن فلان، رقم (٢٦٩٩)، من حديث البراء -رضي اللَّه عنه-.