قوله تعالى:{أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا}[الفرقان: ٢٤]، مع أنَّ أصحابَ النارِ لا خيرَ في مُستَقرِّهم.
وعلى هذا فنَقول: إبقاءُ الآية على ظاهِرها يَكون أَوْلى، فإذا قيل ذلك، فإنه يَرِد علينا سُؤالٌ: لماذا عبَّر بـ (أفعَل) التَّفضيل في طرفٍ ليس في الطرَف الآخَر منه شيءٌ؟
قُلْنا: لبيان أن هذا غاية ما يَكون من العَدْل؛ ويَكون فائِدتها: أن دُعاءَهُم لآبائهم أعدلُ شيءٍ، وهُو غَاية ما يَكون من العَدْل، فاسْمُ التفضيل هنا باعتِبار المعْنَى أَي: أن هذا أَعدَلُ شيء.
وكلمة {أَقْسَطُ} اسمُ تَفضيل من الثُّلَاثي؛ لأن اسمَ التَّفضيل لا يُصَاغ إلَّا من الثلاثي؛ قال ابنُ مالِك رَحِمَهُ اللَّهُ (١):
ثمَّ إن الرُّبَاعيَّ من هذه المادَّةِ ليس بمَعنَى العَدْل، بل بمَعنى الجوْر، فالقاسِط هو الجائِر، والمُقسِط هو العادِل؛ قال اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى:{وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا}[الجن: ١٥]، وقال تعالى:{وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ}[الحجرات: ٩].
إِذَن: يرِدُ علينا إشكالٌ في مَسأَلة {وَأَقْسِطُوا}، فهنا {هُوَ أَقْسَطُ}.
فنَقول في الجواب عنه: إن في هذا دليلًا على صِحَّة مَذهَب الكُوفيين، الذين يَقولون بجَوَاز صياغة اسمِ التَّفضيل من غير الثُّلَاثي، يَقولون: أَقسَطُ من باب الإِقساط يَعنِي: أنَّ ذلك أعدَلُ.