الجَوابُ: أَبدَى بعض العُلَماء رَحِمَهُم اللَّهُ مُناسَبَة في هذا وقالوا: إنه لم يُذكَر لا لأنه يَحْرُم إبداءُ الزينة لهما، ولكن لبَيان التَّحرُّز منهما؛ لئَلَّا يَصِفْن المرأة لأَبنائِهن؛ لأن أبناء العَمَّ والخال يَجوز أن يَتزوَّجوا بهنَّ، فلمَّا كان يُخْشَى أن العمَّ والخال يَصِف المرأة لابنه لم يُذْكَرا للتَّحرُّز لا لمُخالَفة الحُكْم، وهذا التعليلُ له بعض الوَجْه، واللَّه أَعلَمُ بما أَرادَ.
وعلى كل حالٍ: إن كان هذا هو الحِكمةَ من عدَم الذِّكْر فله وَجْه، وإن لم يَكُن له الحِكْمة، فاللَّه أَعلَمُ، ما وصلْنا إلى الحِكْمة في ذلك.
ولا شَكَّ أنَّ قوَّة المَحْرميَّة في العَمِّ والخال أضعَفُ من قوَّتها فيمَن عَداهم، وإن كان ابنُ الأخ وابنَ الأُخت بالنِّسبة لعَمَّته وخالته الصِّلةُ بينهما مُتقارِبة مع العمِّ والخال، لكن ابن الأخت من الأخ والأُخْت فُرُوعُهما محَارِمُ، فالعِلَّة التي قِيلت في العمِّ والخال مُنْتَفية فيهما، فيَقول: لا جُناحَ علينا في هَؤلاء، وفيما عَدا هؤلاءِ عليهن جُناح، يَعنِي: ما عدا هؤلاءِ من الأقارِبِ فإن عليهنَّ جُناح في عدَم التَّحَجُّب منهم.
مَسأَلةٌ: الأخُ من الرَّضاع وابنُ الأخ من الرَّضاع وما أَشبَه ذلك ما ذُكِر في هذه الآيةِ، نَقول: صحيح ما ذُكِر؛ لكنه ذُكِر في قول الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم-: "يَحْرُمُ مِنَ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنَ النَّسَبِ"(١).
وقوله تعالى:{وَلَا نِسَائِهِنَّ}، قال المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ:[أي: المُؤمِنات] أي: ولا جُناحَ عليهنَّ في نِسائِهنَّ المُؤمِنات؛ لأن النِّساء أُضِيفت إلى ضمير المُؤمِنات، فيَكون مُضافًا من جِنْس المُضاف إليه، أي: ولا النِّساء المُؤمِنات؛ فللمرأة أن تَكشِف وجهها للمرأة المُؤمِنة، ومَفهومه: أن الكافِرة لا يَحِلُّ لها أن تَكشِف وَجهَها له، وأن
(١) أخرجه البخاري: كتاب الشهادات، باب الشهادة على الأنساب، رقم (٢٦٤٥)، ومسلم: كتاب الرضاع، باب تحريم ابنة الأخ من الرضاعة، رقم (١٤٤٧)، من حديث ابن عباس -رضي اللَّه عنهما-.