حصَل التَّنبُّه، ثُمَّ إن في الالتِفات هنا فائِدة أُخرى: وهي مُواجَهَتُهُنَّ بالأَمْر بتَقوى اللَّه عَزَّ وَجَلَّ، وهذا الخِطابُ مُوجَّه لأَطهَر النِّساء على الإطلاق، وهنَّ زوجاتُ النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: اتَّقِينَ اللَّه تعالى أن تَرَيْن أحَدًا سِوى هؤلاء، أو أن يَرَاكُنَّ أحَدٌ سِوى هؤلاء، فإذا كان هذا الخِطابُ مُوجَّهًا إلى زوجات الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- وهُنَّ أطهَرُ النساء وأَكرَمُهنَّ عِفَّةً، فما بالُك بمَن دونهنَّ؟ ! فإنه يُوجَّه إليهنَّ من الأمر بالتَّقوَى أكثَرَ ممَّا يُوجَّه إلى نِساء النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-.
وقوله رَحِمَهُ اللَّهُ: [{إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا} لا يَخْفى عليه شَيْء]، وهنا قال:{إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا}؛ لأن الحِجاب وعدَمه ممَّا يُرَى، فناسَب أن يَختِم الآية بذِكْر شهادة اللَّه عَزَّ وَجَلَّ على كل شيء تَحذيرًا من مُخالَفته بعدَم الاحتِجاب ممَّن يَجِب الاحتِجاب عنه.
من فوائد الآية الكريمة:
الْفَائِدَة الأُولَى: أنه لا يَجِب الاحتِجاب عمَّن ذُكِر في هذه الآيةِ؛ لقوله تعالى:{لَا جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبَائِهِنَّ}.
الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ: أن نِساء النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- مُكلَّفاتٌ، يَعنِي: يَلحَقهم التَّكليفُ كغيرهنَّ من النساء؛ لقوله تعالى:{لَا جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبَائِهِنَّ}.
الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ: أن المُحرَّمات في النِّكاح مَحارِمُ؛ لأن هؤلاءِ المَذكورين محُرَّمون في النِّكاح فهم مَحارِمُ، وهذه قاعِدةٌ: كُلُّ مَن يَحرُم في النِّكاح تحريمًا مُؤبَّدًا فهن مَحارِمُ، وأمَّا مَن يَحرُم تَحريمًا إلى أمَدٍ فلَيْسوا بمَحارِمَ، وعلى هذا فقوله تعالى:{أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ} ليسوا بمَحارِمَ؛ لأن التحريم إلى أمَدٍ.