وقوله تعالى:{وَلَا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ} يَعنِي: ولا جُناح عليهنَّ في ما ملَكَت أيمانُهنَّ، قال رَحِمَهُ اللَّهُ:[مِن الإِماءِ والعَبيد].
قوله تعالى:{مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ} أي: ملَكَتْه مِلْكًا تامًّا لا مِلْكًا مُشتَرَكًا، فلو كان عَبْدٌ بين امرأتَيْن، فإنه لا يَحِلُّ لواحِدة منهما أن تَكْشِف وجهَها له؛ وذلك لأنه ليس مِلْك لإِحْداهما، بل مِلْك لهما جميعًا، والآيةُ:{مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ}.
وقوله تَبَارَكَ وَتَعَالَى:{مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ} أَضاف المِلْك إلى اليمين؛ لأن الأَخْذ والإعطاء يَكون باليَمين غالِبًا، وقوله رَحِمَهُ اللَّهُ:[مِن الإِماءِ والعَبيد]، أمَّا قوله رَحِمَهُ اللَّهُ:[مِن العَبيد] فظاهِر، وأمَّا قوله رَحِمَهُ اللَّه:[مِن الإِماء] فبِناءً على أن قوله رَحِمَهُ اللَّهُ: [{نِسَائِهِنَّ} أي: المُؤمِنات]، فإذا كان للمَرأة أَمَةٌ كافِرة فلا يَلزَمها أن تَحْتَجِبَ عنها؛ لأنها ممَّا ملَكت يَمينُها، وكلُّ هؤلاءِ المُستَثْنَيْن كلُّهم محَارِمُ إلَّا ما ملَكَت أيمانُهن فلَيْسوا بمَحارِمَ؛ لأن التَّحريم فيهم إلى أَمَدٍ، والمَحرَمية إنما تَثبُت فيما إذا كان التَّحريم مُؤبَّدًا؛ ولهذا أُخْتُ الزوجة حَرام وليسَت بمَحْرَم، والمَملوك حرام على مَملوكته، ولا يَلزَمها أن تَحتَجِب عنه، ولكنه ليس بمَحْرَم لها بدليل أنه إذا خرَج عن مِلْكها لَزِمها أن تَحتَجِب عنه؛ قال رَحِمَهُ اللَّهُ: [{مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ} من الإِماءِ والعَبيد أن يَرَوْهُنَّ ويُكلِّموهنَّ من غَيرِ حِجاب].
ثُمَّ قال رَحِمَهُ اللَّهُ: [{وَاتَّقِينَ اللَّهَ} فيما أُمِرْتُنَّ به] {وَاتَّقِينَ اللَّهَ} الواو حَرْف عَطْف، و (اتَّقِينَ) فِعْل أَمْر، لكن حَدُّ الفِعْل الياء، والنُّون فاعِلٌ، وهنا في الجُمْلة الْتِفاتٌ من الغيبة إلى الخِطاب؛ فقوله تَبَارَكَ وَتَعَالَى:{لَا جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ} هذا ضَمير غائِب، {وَاتَّقِينَ اللَّهَ} ضمير مخُاطَب، وقد ذكَرْنا أنه من فوائِد الالْتِفات: تَنبيهُ المُخاطَب؛ لأن الكلام إذا كان على نَسَق واحِد فقَدْ لا يَكون من الإنسان انتِباهٌ، فإذا اختَلَف النَّسَق