للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

النَّقْص؛ لأن الكَمال والنَّقْص مُتضادَّان، فما من شيء إلَّا مَوصوف بالكَمال أو بالنَّقْص، فإذا سُلِبَت عنه صِفات الكَمال لزِمَ ذلك اتِّصافه بالنَّقْص وهو نَوْع من الإيذاء.

وأَمَّا إيذاء الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- فيَكون بالقَوْل وبالفِعْل؛ فبالقول: أن يُوصَف الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- بأنه ساحِر أو شاعِر أو كاهِن أو مجَنون، والغريب أن الساحِر والمَجنون، وُصِف به جميع الأَنبياء عَلَيْهِم السَّلَامُ، فكُلُّ الأنبياء السابِقين المُرسَلين إلى قَوْمهم وُصِفوا بهذا، قال سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ} [الذاريات: ٥٢]، فهذه الأَوْصافُ -لا شَكَّ- أنها تُؤذِي الرسول عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، وتُؤذِي كلَّ وَليٍّ للَّه تعالى ورسوله -صلى اللَّه عليه وسلم- أن يُوصَف النبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- بهذه الأَوْصافِ الكاذِبة.

وكذلك إيذاء الرسول بالفِعْل ما صنَعت قُريشٌ به -صلى اللَّه عليه وسلم- حين أَتَوْا بسَلى الناقة وهو ساجِد في المسجد الحرام أمام بيت اللَّه عَزَّ وَجَلَّ، فوَضَعوا سَلى الناقة على ظَهْره وهو ساجِد (١)، وأيُّ أذيَّة أَبلَغُ من هذا؟ ! رجُل لم يَتَعرَّض لهم فإنما يَعبُد اللَّه عَزَّ وَجَلَّ في آمَنِ مَكانٍ على وجهِ الأرض؛ أمام بيت اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى! وأَقرَبُ ما يَكون من ربه! ثُمَّ يَأتي هؤلاءِ الظلَمةُ المُعتَدون فيَضَعون عليه هذه القاذُوراتِ؛ أَعتَقِد أن هذا من أَبلَغِ ما يَكون من الأذِيَّة حتى جاءتِ ابنَتُه الطِّفلة الصغيرة فأَزالَتْه عنه.

وكذلك من الأذية ما ذكَروا أنهم كانوا يُلقون الأَنْتانَ والقاذوراتِ على عَتَبة بابه -صلى اللَّه عليه وسلم- في مَكَّة حتى إنه كان يَخرُج ويَقول: "أيُّ جِوَارٍ هَذَا؟ ! " (٢) يَعنِي: لو كنت


(١) أخرجه البخاري: كتاب الوضوء، باب إذا ألقي على ظهر المصلي قذرًا أو جيفة، رقم (٢٤٠)، ومسلم: كتاب الجهاد والسير، باب ما لقي النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- من أذى المشركين، رقم (١٧٩٤)، من حديث عبد اللَّه بن مسعود -رضي اللَّه عنه-.
(٢) أخرجه ابن سعد في الطبقات الكبرى (١/ ٢٠١)، من حديث عائشة -رضي اللَّه عنها-، وانظر سيرة ابن هشام (١/ ٤١٦).

<<  <   >  >>