جارًا لكم ولَسْت مِنْكم لم تَفعَلوا بي هذا الفِعْلَ! فهؤلاء الذين يُؤذون اللَّه تعالى ورسوله -صلى اللَّه عليه وسلم- لعَنَهم اللَّه تعالى في الدنيا والآخِرة -والعِياذُ باللَّه- يَعنِي: أَبعَدَهم اللَّه عن رحمته في الدُّنيا وفي الآخِرة؛ لأن اللَّعْن بمَعنَى: الطَّرْد والإبعاد عن رحمة اللَّه.
وفي قوله تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ} ولم يَقُلْ: (آذَوْا اللَّه)؛ لأنهم مُستَمِرُّون في الأذية، وما داموا مُستَمِرِّين في الأذية فإن لهم اللَّعْن في الدنيا والآخِرة، أمَّا إذا منَّ اللَّه تعالى عليهم بالهِداية ورجَعوا إلى اللَّه تعالى وتابوا من شِرْكهم؛ فإن اللَّعْنة تَرتَفِع عنهم؛ لأن الحُكْم يَدور مع عِلَّتِه.
قوله رَحِمَهُ اللَّهُ: [{لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ} أَبعَدَهم {وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا}]، {وَأَعَدَّ} بمَعنَى: هيَّأ، والعَذاب بمَعنَى: العُقوبة و {مُهِينًا} قال المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ: [ذا إِهانةٍ وهو النار] عذاب النار -والعِياذُ باللَّه- إهانة بدَنية وإهانة نَفْسية؛ ولهذا يُقال لأصحاب النار:{خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلَى سَوَاءِ الْجَحِيمِ}[الدخان: ٤٧]، {خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ} أي: ادْفَعوه بشِدَّة وعُنْف إلى سواء الجَحيم، يَعنِي: قَعْرها وأَصْلها، {ثُمَّ صُبُّوا} من {فَوْقَ رَأْسِهِ} الرَّأس الذي لم يَكُن يَنحَنِي لأَحَد ولا للَّه تعالى، {صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذَابِ الْحَمِيمِ} الحَميم الماء الشديد الحَرارة؛ ثُمَّ يُقال له بعد الإِهانة بالفِعْل يُقال له:{ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ}[الدخان: ٤٩]، هذا تَهَكُّم به، يَعنِي: إنك كنتَ في نَفْسك عزيزًا كريمًا؛ لكنك الآنَ ذَليل مَهين خِلاف المَجْد والكرَم، فهذا هو العَذاب الأليم الذي أُعِدَّ للكافِرين -عسَى اللَّه تعالى أن يُسلِّمَنا وإيَّاكم منه- فصارت عُقوبة هَؤلاء المُؤذِين للَّه تعالى ولرسوله -صلى اللَّه عليه وسلم- أَمْرين عَظيمين، أحَدُهما اللَّعْن وهو الطَّرْد والإِبْعاد من رحمة اللَّه تعالى، والثاني العَذاب المُهين الذي يُوقِعهم في الهَوان والذُّلِّ، المُؤمِنون والمُؤمِنات.