للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وعلى هذا فـ (مِن) ليسَت بزائِدة، يَعنِي: ليس المَعنَى: يُدْنين عليهن جَلابِيبَهن، بل (مِن) للتَّبعيض، أي: يُدنين عليهم من جَلابِيبهن، أي: بعض جَلابيبهن.

وهل التَّبعيض هنا تَبعيض جُزْء من كلٍّ، أو تَبعيض فَرْد من فَرْد، بمَعنَى هل قوله تعالى: {مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ} أي: من الجَلابيب التي عِندهن؛ لأن الواحِدة قد يَكون عِندها جِلْبابان أو أكثَرُ، أو أن المعنى ببَعْض الجِلْباب التي عليها؟

الجَوابُ: هذا الأخيرُ هو الأقرَبُ، يَعنِي: تُدْني عليها بعض جِلْبابها.

والجِلْباب: هو الرِّداء أو المَلاءة أو المِلحَفة، يَعنِي: الشيء الواسِع الذي يَشمَل جميع البدَن أو أَكثَرَه.

و{يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ} ولم يَقُل: (إليهِن) بل قال تعالى: {عَلَيْهِنَّ}؛ ليَكون الإِدْناء مُلاصِقًا لهن، فكأنه ضَمَّن مَعنى: يَضْمُمْنَ عليهن؛ {يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ} أي: يُقرِّبنه حتى يَضُمَّمنه عليهن.

وقوله تعالى: {يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ} لم يَقُل: (على وُجوهِهن) ولا (على نُحورِهِنَّ) ولا (على صُدورهِنَّ)، فيَكون شامِلًا لجميع البدَن؛ فقال تعالى: {يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ} أي: على جميع البدَن، ولكن من المَعروف أن الجِلباب ساتِر لأكثَر البدَن، والعادة عندهم أن المرأة تَكشِف وجهَها وتَخرُج مَكشوفة الوَجه ومَكشوفة النَّحْر، فأَمَر اللَّه عَزَّ وَجَلَّ أن يُدْنين عليهن من جَلابِيبهن، أي: على هذا المَكشوفِ الذي يَكشِف عادة وهو الوَجْهُ والنَّحْر، كما قال ذلك ابنُ عباس -رضي اللَّه عنهما- وغيره: بأن تُغطِّيَ وجهها ولا تُبدِ إلَّا عَيْنًا واحِدةً (١) تَنظُر بها للضَّرورة، وهذا فيما إذا كان الجِلباب صَفيقًا بحيث


(١) أخرجه الطبري في تفسيره (١٩/ ١٨١).

<<  <   >  >>