للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

إذا غطَّتْ وجهَها لا تَرَى، أمَّا إذا كان خَفيفًا كما هو مَعروف عندنا في الوَقْت الحاضِر فلا حاجةَ إلى إبداء العَيْن؛ لأن إبداء العَيْن إنما هو للضَّرورة، بدليل أن الصحابة كابن عبَّاس -رضي اللَّه عنه- وغيرِه رخَّصوا في إبداء العَيْن الواحِدة؛ لأنها بقَدْر الضَّرورة وإلَّا لكانوا يَقولون: تُخرِج العَيْنَيْن جميعًا.

وعلى كل حال: فالمَعنَى يُدْنين عليهن من جَلابيبهن فيما يَكشِفنه من أبدانهم وهو الوَجْهُ، فهذا ما جرَتْ عليه العادة.

وكان هذا الكَشْفُ عامًّا للإماء والحَرائِر، فصار بعض مَن في قَلْبه مرَض مِن المُنافِقين الذين يُؤذون المُؤمِنين والمُؤمِنات يُلاحِقونهن فإذا عثَر عليهم قالوا هذه حَسِبْناها أَمَةً فعيَّرْناها وهي حُرَّة! فشُكِيَ ذلك إلى الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- فأَنزَل اللَّه تعالى هذه الآيةَ: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ} هكذا قال بَعضُهم في سبَب النُّزول، لكنه غيرُ مُسنَد، ونحن لا يُهِمُّنا أن تَكون آية لها سبَب في نُزولها أم لَيْسَت لها سبَب؛ المُهِمُّ: هو الحُكْم الذي دلَّت عليه.

قال رَحِمَهُ اللَّهُ: [{يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ} جَمْع جِلْباب وهي المُلاءة التي تَشتَمِل بها المُرأة، أي: يُرْخين بعضَها على الوجوه إذا خرَجْن لحاجتِهن إلَّا عينًا واحِدة] لضَرورة النظَر.

وقوله رَحِمَهُ اللَّهُ: [جَمْع جِلْباب وهي المُلاءَة]، وهي تُشبِه العَباءة عندنا، ولمَّا أَمَر النبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- بخُروج النساء في العيد للصلاة، قالت أُمُّ عَطيَّةَ -رضي اللَّه عنها-: يا رسول اللَّه، إحدانا ليس لها جِلباب. فقال -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لِتُلبِسْهَا أُخْتُهَا مِنْ جِلْبَابِهَا" (١)، ولم يَقُل: لتَخرُج


(١) أخرجه البخاري: كتاب الحيض، باب شهود الحائض العيدين، رقم (٣٢٤)، ومسلم: كتاب صلاة العيدين، باب ذكر إباحة خروج النساء في العيدين، رقم (٨٩٠)، من حديث أم عطية -رضي اللَّه عنها-.

<<  <   >  >>