للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ}؛ لأن الخَلْخال الذي يُسمَع إذا ضرَبَتِ المرأة برِجْلها يُخشَى منه الفِتْنة، وخَشْية الفِتْنة بمَخفيٍّ عند ضَرْب المَرْأة برِجْلها أقلُّ بكثير من أن تُخرِج المرأة وجهَها، ذلك الوجهَ الجَميل المُجمَّل بالكُحْل والتَّحمير وغير ذلك.

وكلٌّ يَعلَم أن هذا أَعظَمُ فِتْنةً من خَلْخال مَستور يُسمَع صوته عند الضرب بالرِّجْل، وتَأبَى حِكْمة اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أن يَنهَى عن ضَرْب المَرأة برِجْلها؛ لئَلَّا يُسمَع خَلْخالها، ثُم يُرخِّص لامرأة من أجمَل النِّساء أن تُظهِر وَجْهها وكفَّيْها! ! فهذا تَأباه حِكْمة اللَّه عَزَّ وَجَلَّ.

فإن قال قائِلٌ: لم ضَرَب عُمرُ الأَمَة حينما غطَّتْ رأسها (١)؟

فالجَوابُ: ضَرَبها لئَلَّا تَتَشبَّه بالحرائر خَوْفًا من أن يَختَلِط هؤلاء بهؤلاء، ثُمَّ يَبقَى الفَرْق والمِيزة بينهما لا أثَرَ لها، فإذا كانت الإِماء يُغطِّين وُجوهَهن بَقِيت الحرائِر غيرَ مَعلومات؛ ولا يُحتَجُّ به؛ لأن عِندنا قواعِدَ عامة وهي التَّعرُّض للفِتَن مَمنوع في الشَّرْع.

قال تعالى: {وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا}، قال المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ: [{وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا} لِمَا سبَق منهن مَن تَرَك التَّستُّر، رَحيمًا بهِنَّ إذ ستَرَهن] {وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا} سبَقَ تَفسير الغُفور والرَّحيم، وأن اللَّه تعالى يَجمَع بينهما دائِمًا لأَجْل أن يَترَكَّب من الاسْمَيْن زوال المَكروه وحُصول المَطلوب، فزَوال المَكروه بالمَغْفِرة وحُصول المَطلوب بالرَّحْمة.

واللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ يَذكُر دائِمًا المَغفِرة والرحمة عن أَمْر قد سلَف ولم يَنزِل به حُكْم مثل


(١) أخرجه عبد الرزاق في المصنف (٣/ ١٣٦)، وابن أبي شيبة في المصنف (٤/ ٣٤٣).

<<  <   >  >>