للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقوله تعالى: {يَسْأَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ} متى تَكون؟ فأَمَر اللَّه تعالى نَبيَّه أن يُجيب بقوله تعالى: {قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ}: {قُلْ} في الجواب، وهذا تَلقينٌ من اللَّه عَزَّ وَجَلَّ لرسوله -صلى اللَّه عليه وسلم- بالجَواب أن يَقول هذا، وإنما لقَّنَه اللَّه عَزَّ وَجَلَّ، ليَتبيَّن للناس عامَّةً أن قوله تعالى: {إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ} صادِر من اللَّه تعالى، وليس من تِلْقاء نَفْسه حتى يَقتَنِع الناس بذلك ويُوقِنوا به.

وقوله تعالى: {إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ} هذه الجُملةُ فيها حَصْرٌ طريقُه {إِنَّمَا}، يَعنِي: ما عِلْمها إلَّا عند اللَّه تعالى وحدَه، وهذا كَقوله تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ} [لقمان: ٣٤]، فلا أحَدَ يَعلَم متى تَقوم الساعة إلَّا اللَّه عَزَّ وَجَلَّ، وكلُّ ما قيل عن وَقْت قِيامها من السابِقين واللَّاحِقين فما هو إلَّا تَخرُّص كاذِب، نَعلَم ذلك عِلْم التقين؛ لأن اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى قال: {قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ}، وأَعْلَمُ الرُّسل باللَّه تعالى البَشَري والمَلكي مُحمَّد -صلى اللَّه عليه وسلم- وجِبريلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وكِلاهما لا يَعلَم، فلمَّا سأَل جِبريلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ النبيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "مَا المَسْؤُولُ عَنْهَا بِأَعْلَمَ مِنَ السَّائِلِ"، فإذا كُنت أنت تَجهَل أيُّها السائِل فأنا مِثْلك أَجهَلُ منك.

وقوله تعالى: {قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ} وهذا كما يَشمَل الساعة العامة التي تَقوم ويُحشَر الناس فيها من قُبورهم لرَبِّ العالمَين، يَشمَل أيضًا الساعة الخاصَّة التي هي موت كلِّ إنسان، فإن مَن مات قامَت قِيامته، وقامَت ساعته، لأنه انتَهَى من الدنيا إلى دار الجَزاء، ويَدُلُّ لذلك قوله تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ} [لقمان: ٣٤]، فما وَجْهُ الدَّلالة من أنه لا يَدرِي أحَدٌ متى يَموت؟

الجَوابُ: وجهُ الدَّلالة أنه إذا انتَفَى عِلْمه بأيِّ أَرْض يَموت ففي أيِّ زمَن من بابِ أَوْلى، وذلك لأن الأَرْض يَتَمكَّن الإنسان أن يَذهَب إليها أو لا يَذهَب، والزمَن

<<  <   >  >>