و {أَبَدًا} هذه تُفيد استِمْرار الزمَن في المُستَقبَل استِمرار الزمَن في المُستَقبَل، وأزَلًا تُفيد استِمْراره في الماضِي؛ ولهذا نَقول: إن عِلْم اللَّه تعالى عِلْم ثابِت للَّه تعالى أزَلًا وأبَدًا.
وقوله تعالى:{خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا} هذه إحدى آيات ثلاث صرَّح اللَّه تعالى فيها بأبَديَّة خُلُود أَهْل النار، والآية الثانية في سُورة النِّساء: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقًا (١٦٨) إِلَّا طَرِيقَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا} [النساء: ١٦٨ - ١٦٩]، والآية الثالِثة في سورة الجِنِّ:{وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا}[الجن: ٢٣].
وفي بعض هذه الآياتِ -بل في واحِدة منها- ردٌّ واضِحٌ على قول مَن قال: إن النار غير مُؤبَّدة؛ ولهذا كان عَقيدة أهل السُّنَّة والجماعة أن النار مُؤبَّدة كالجنَّة، وليس في هذا مُنَافاة لرَحْمة اللَّه عَزَّ وَجَلَّ وحِكْمته، ولا فيها إبطال لقوله تَبَارَكَ وَتَعَالَى في الحديث القُدسيِّ:"إِنَّ رَحْمَتِي سبَقَتْ غَضَبِي"(١)؛ لأن هذه العُقوبةَ قد أُنذِر بها أُولَئِك الذين فعَلوا ما يَستَحِقُّونها، وقامَت عليهم الحُجَّة بها، فليس لهم عُذْرٌ، فيَكونون قد عُومِلوا بمُقتَضى العَدْل فعُقوبتهم هذه عَدْلٌ من اللَّه عَزَّ وَجَلَّ، وليس فيها ظُلْمٌ، ومَن أُنذِر بشَيْء ففعَل السبَب المُوصِّل إليه باختِياره فهو الذي جَنَى على نَفْسه.
فائِدةٌ: قوله تعالى: {خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا} كيف قال تعالى: {فِيهَا} و {سَعِيرًا} مُذكَّر؟
الجَوابُ: لأن المُراد بالسَّعير هنا سَعير النار، وهي مُؤنَّثة.
(١) أخرجه البخاري: كتاب التوحيد، باب {وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ}، رقم (٧٤٢٢)، ومسلم: كتاب التوبة، باب في سعة رحمة اللَّه تعالى، رقم (٢٧٥١)، من حديث أبي هريرة -رضي اللَّه عنه-.