فكلَّم شَخْصًا لا يَدرِي أنَّه فلان الذي حلَف على تَرْك تَكليمه، فإنه ليس عليه حِنْث، وكذلك أيضا الطلاق، لو علَّق الطلاق على شيءٍ ففَعَله جاهلًا أنَّه هو الشيء الذي علَّق الطلاق عليه فإِنَّه لا حِنْثَ عليه، وكذلك لو فعَل مُكَفِّرًا جَاهِلًا أنَّه مُكفِّرٌ فإنه لا إِثْمَ عليه، يُؤخَذ هذا كلُّه من العُموم في قوله تعالى:{فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ}.
ثُم إن نَفيَ الإِثْم لا يَستَلزِم نَفيَ القضاءِ فيما يَجِب قَضاؤُه، وعلى هذا فتكون الآية في باب المَحذورات لا في باب المَأمورات؛ ولهذا لم يَأذَنِ النَّبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- للجاهِل الذي كان يُصلِّي ولا يَطمَئِنُّ في الصلاة، جعَله يُعيد مرَّة بعد أُخرى، وبيَّن له (١).
إِذَن نَقول: بابُ المأمورات لا يُؤاخَذ الإنسان بتَرْكه إياها، لكن لا يَلزَم من عدَم مُؤَاخَذته بتَرْكها جاهِلًا أن يَسقُط عنه فِعْلُها أو فِعُل بدَلها، والدليل أن النبيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- لَمْ يَعْذُر الجاهِلَ في تَرْك الطُّمَأنينة.
وقد سبَق لنا: أنَّه قد يَكون الإنسان مُفرِّطًا في تَرْك السُّؤال فيَلزَمه الإثمُ لتَفْريطه، ثُمَّ هل هذه الآيةُ عامَّةٌ في حقِّ اللَّه تعالى وفي حقِّ الآدَميِّ؟
نَنظُر ونَقول: حتَّى في حقِّ الآدَمي، لأن الآيةَ عامَّةٌ {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ}، لكن لا يَلزَم من انتِفاء الإِثْم انتِفاءُ الضَّمان في حَقِّ الآدَمي؛ فَلو أن رجُلًا أَكَل طعامَ إنسانٍ جاهِلًا أنَّه طعامُه فهل عليه إثمٌ؟ لا، لكن يَلزَمه ضمانُ الطَّعام؛ لأنه حقُّ آدَميٍّ، أمَّا لو عَلِم أنَّه طعام فلانٍ فإنه يَأثَم مع الضمان.
(١) أخرجه البخاري: كتاب الأذان، باب وجوب القراءة للإمام والمأموم، رقم (٧٥٧)، ومسلم: كتاب الصلاة، باب وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة، رقم (٣٩٧)، من حديث أبي هريرة -رضي اللَّه عنه-.