الْفَائِدَةُ السَّابِعَةُ: أنَّ مَدار الأحكام والمُؤاخَذة عليها هُو القَلْب؛ لِقَوله تعالى:{وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ}، وهذا له شَواهِدُ كثيرةٌ منها قوله تعالى:{لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ}[المائدة: ٨٩]، وفي الآية الأخرى {بِمَا كَسَبَت قُلُوبُكُمْ}[البقرة: ٢٢٥]، ومِنها قولُه تعالى في جزاء الصَّيْد:{وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ}[المائدة: ٩٥] وبِناءً على ذلك لو أنَّ المُحرِم قَتَل صيدًا غيرَ مُتعَمِّد لا يَأثَم ولا يَضمَن؛ لأنه حَقٌّ للَّه تعالى، واللَّهُ تعالى قد عفا عن حَقِّه.
وبه يُعرَف ضَعْف قول مَن قال: إن جزاء الصَّيْد واجِب حتَّى على مَن قتَله خطَأ في حال الإحرام، مع أن الآية صريحة:{وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا}.
ويَلحَق بذلك ما لو قَصَّ أظفارَه جَاهِلًا وهو محُرِم، أو حلَق رأسَه من بابِ أَوْلى، ويَلحَق به ما لو جامَع زوجته، مثل: لو أنَّ رجُلًا في مُزدَلِفةَ جامَع زوجته وهي في مُزدَلِفةَ جاهِلًا استِنادًا إلى قول النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "الحَجُّ عَرَفَةُ"(١)، وهذا يَقَع فليس عليه ليس عليه شيءٌ، لا إِثْم، ولا فَساد نُسُك، ولا قضاءٌ؛ لأنه جاهِل ما تَعمَّد.
ولهذا بعض الناس بنَى على ذلك مَسألةً أَغرَبَ من ذلك، إذا وقَف بعرَفةَ ثُمَّ انصَرَف فله أن يُسافِر إلى أهله وفِعْلًا حصَل هذا، منهم مَن يَتوَرَّع، وإذا سافَر وكَّل
(١) أخرجه الإمام أحمد (٤/ ٣٠٩)، وأَبو داود: كتاب المناسك، باب من لم يدرك عرفة، رقم (١٩٤٩)، والترمذي: كتاب الحج، باب فيمن أدرك الإمام بجمع، رقم (٨٨٩)، والنسائي: كتاب مناسك الحج، باب فرض الوقوف بعرفة، رقم (٣٠١٦)، وابن ماجة: كتاب المناسك، باب من أتى عرفة قبل الفجر، رقم (٣٠١٥)، من حديث عبدِ الرحمن بنُ يعمر -رضي اللَّه عنه-.