قِسمين: آياتٍ محكمات، وأُخَر متشابهات، {فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ} أي: مَيل عَن الحق وضَلالٌ، {فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ} ويَدَعون المُحْكَم {ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ}، أي: فِتنة النَّاس عن دِينهم، {وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ} أي: تَحريفه على ما يُريدون.
إذَن: قوُله عَزَّ وَجَلَّ: {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ}، وقولُه: {إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتَى} [يس: ١٢]، وقولُه: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ} [الحجر: ٩] وأشباهُها مِن الآيات: يُراد بها التَّعظِيم.
وقولُه: {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ} يَعني: القِيام بما يَجب.
قولُه: {عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ} سُبحان اللَّه! مخلوقاتٌ عظيمةٌ عرَض اللَّه عليها الأمانةَ هل تَقومُ بها أمْ لا؟ فقالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا}.
وقولُه: (أَبَيْنَ) أي: امتنَعْن عَن حَملِها لأنَّها مَسؤوليَّةٌ عَظيمةٌ.
ولعلَّ قائلًا يَقول: كيفَ تُعْرَض الأمانةُ علَى الجَماد؟
فالجوابُ: الجمادُ وذُو الشُّعور أمامَ أَمْرِ اللَّه علَى حَدٍّ سواءٍ، يُوجِّهُ اللَّهُ الخِطابَ إلَى الجَمَاد فيُجِيب الجمادُ، لأنَّ كلَّ شيءٍ بالنِّسبة للَّه علَى حدٍّ سواءٍ، واسمَعْ قولَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا}، فهذا أمَر مُوجَّه لجِمادٍ {قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ} [فصلت: ١١] وهذا هُو الجوابُ، فأجابَتْ هذِه الجماداتُ للَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.
ولَّما تَجلَّى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ للجَبل حِينَ قالَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام: {رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ} [الأعراف: ١٤٣] شوقًا إلى اللَّه عَزَّ وَجَلَّ، قَالَ: {قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي}، فنظَر مُوسى إلى الجبَل بعد أن تجلَّى اللَّه لَه فجعَله دكًّا، اندكَّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute