ونحن نَعلَم أن أُمَّهات المُؤمِنين رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُنَّ بالنسبة لأُمَّة محُمَّد عَلِيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أُمَّة الإجابة، يَنظُرنَ إلى هذه الأُمَّةِ كما تَنظُر المرأة الأُمُّ إلى أولادها، ونحن يَجِب أن نَنظُر إليهنَّ كما نَنظُرُ إلى الأُمَّهات، لأنهن زوجاتُ مَن هو أَوْلى بنا من أَنفُسِنا، النبيُّ عَلِيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، فلا جَرَمَ أن يَكُنَّ بمَنزِلة الأُمَّهات في الاحتِرام والتَّقدير والدِّفاع عنهنَّ، وعدَم التَّعرُّض لما وقَع في مخُالَفَتهن، بغَيْرةٍ وغيرها؛ لأن النِّساء الزوجاتِ -كما تَعرِفون- يَكون بينَهُن غَيْرةٌ، فقد تُخطِئ المرأة خطَأً يَحمِلها عليه الغَيْرةُ، والغَيْرة أَمْر يَملِك الإنسانَ ولا يَملِكه، كما أن الغضَب يَملِك الإنسان ولا يَملِكه.
فما وقع في مثل قوله تعالى:{إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ}[التحريم: ٤] مِثل هذا يَجِب علينا أن نُدافِع بقَدْر ما نَستَطيع، فمَنِ اتَّخذوا من مثل هذه القَضيَّةِ، اتَّخَذوا مَنفَذًا للطعن في زوجات النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، ولا رَيْبَ أن مَن طعَنَ في زوجَات النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- فإنه لا يَقتَصِر طَعنُه عَليهنَّ، بل يَشمَل الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم-، أَسألُك: لو أن رجُلًا اتَّخَذ من فواسِقِ النساء زَوْجاتٍ له، هل هذا مَدْح له أو قَدْح؟
قَدْحٌ بلا شكٍّ، فمَن قَدَح في واحِدةٍ من أُمَّهات المُؤمِنين فإن قَدْحه يَتعَدَّى إلى النبيِّ عَلِيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بلا شَكٍّ، ولا سيَّما إذا كان القَدْح فيما يَتعَلَّق بالشَّرَف والنزاهة؛ ولهذا الصحيحُ من أقوال أهل العِلْم رَحِمَهُ اللَّهُ أن مَن رمَى بالزِّنا واحِدةً من أُمَّهات المُؤمِنين، فإنَّه يَكون كافِرًا كُفْرًا مُخْرِجًا عنِ المِلَّة.
أمَّا عائِشةُ -رضي اللَّه عنها- إذا رمَاها بما برَّأَها اللَّه تعالى به فلا شكَّ في كُفْره؛ لأنَّه مُكذِّب للقُرآن، وأمَّا غيرُها فإنه إذا قذَف واحِدةً بالزِّنا فإنه مُكذِّب للقُرآن أيضًا من جهة أُخرى يَقول اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ