وهل يُسَمَّى أيضًا آباؤُهنَّ آباءً للمُؤمِنين، وأَبناؤُهن إِخوةً للمُؤمِنين؟
في هذا خِلاف بين أهل العِلْم رَحِمَهُم اللَّهُ، والصحيحُ أنَّه لا يُسمَّى هؤلاءِ بما يُسمَّى نَظِيرُه في النَّسَب؛ لأن هذه الأُمومة خاصَّة بعَلَاقتِهنَّ بالنبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، وأَقارِبُهن ليس لهم عَلاقة برسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فلا يُسَمَّى أحَدٌ من إخوانهن بأَخوال المُؤمِنين، ولا أحَد من آبائِهن بأبِي المُؤمنين، ولا أَحَد من أبنائِهن بأخي المُؤمِنين.
الْفَائِدَةُ الخَامِسَةُ: أن الرسول عَلِيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ مَنزِلته بالنِّسْبة للمُؤمِنين أعلى من مَنْزِلة الأُبُوَّةِ؛ لأنه قال تعالى:{النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ}، وعلى هذا فلا حَاجةَ للقِراءةِ الَّتي قرَأ بها بعضُ السلَف، وهو قوله:"وهُوَ أَبٌ لَهُم"؛ لأن الأُبُوة بل أعلى من الأُبوَّة مُستَفاد من قوله تعالى:{النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ}.
الْفَائِدَةُ السَّادِسَةُ: تَحريم نِكاح زَوْجات النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- بعدَهُ؛ لِكَونِهن أُمَّهات المُؤمِنين، وسيَأتِي في هذه السُّورةِ قوله تعالى:{وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمًا}[الأحزاب: ٥٣] وهذا من حِماية اللَّه تعالى لفِراش النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، أنَّه حتَّى بعد مَوْته لا أحَدَ يَتزَوَّج أحَدًا من نِسائه.
الْفَائِدَةُ السَّابِعَةُ: نَسْخُ التَّوَارُثِ بِالمُوَالاة؛ لِقَوله عَزَّ وَجَلَّ:{وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ} على أحَد التَّفسيرين: على أَنَّ (مِنْ) دَاخِلةٌ على المُفضَّل عليه.
أمَّا إذا جعَلْنا (مِنْ) بَيانيَّة؛ لقوله تعالى:{وَأُولُو الْأَرْحَامِ}، فإنها لا تَدُلُّ على ذلك، وقد تَدُلُّ عليه من باب اللُّزوم لا من باب الدَّلالة المُطابِقة اللَّفْظية.