قال تعالى:{وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ} قد يَتوَهَّم الإنسان أن مَن بينَه وبينَهم مُوَالاة لا يُمكِن أن يَنتَفِع بشيءٍ من ماله، فاحتَرَز عَزَّ وَجَلَّ بقوله:{إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُمْ مَعْرُوفًا}؛ ولهذا أمثِلة كثيرة مِثْل: {لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (١٠)} [الحديد: ١٠].
الْفَائِدَةُ الخَامِسَةَ عَشْرَةَ: أن اللَّوح المَحفوظ قد كُتِبت فيه الأشياءُ مُستقِرَّة لقوله تعالى: {كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا} وهو أَوْلويَّة ذَوِي الأرحام بعضِهم ببعْض، وقد اختَلَف أهل العِلْم رَحِمَهُم اللَّهُ في الكُتُب التي بأَيْدي الملائِكة هل تُغَيَّر وتُبَدَّل بالزِّيادة والنَّقْص والتَّغيير؟
والصوابُ أن ذلك مُمْكِن، الصحُف التي بأَيْدي المَلائِكة، والدليل على ذلك قوله تعالى:{يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ}[الرعد: ٣٩]، أَصْل الكِتاب عند اللَّه تعالى ليس فيه تَغيير ولا تَبديل، لكن الصُّحُف التي بأَيْدي الملائِكة يُمكِن أن يَقَعَ فيها التَّغيير والتَّبديل.
مثال ذلك: رجُل فعَل سَيِّئةً تُكتَب فإذا اسْتَغفر مُحِيَت أو إِنْسان فَعَل حسَنةً كصدَقة مثَلًا، ثُم مَنَّ بها إذا مَنَّ بها تُمْحَى {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى}[البقرة: ٢٦٤] وهذا ما قرَّره شيخُ الإسلام (١) وغيرُه من المُحقِّقين رَحِمَهُم اللَّهُ مِن أن ما في أُمِّ الكِتاب ثابِت لا يَتغَيَّر؛ لأنه قد كُتِب فيه استِقرار الأشياء في الأزَل إلى الأَبَد، وأمَّا ما بأَيْدي الملائِكة فهُو الذي يُمكِن أن يَقَع فيه المَحوُ والإثبات.