شارِحُ (الطحاوِية)(١)، فمَن أَراد أن يَرجع إليه فلْيَرجِعْ.
أمَّا في هذه الآيةِ فلا يَتعيَّن أن يَكون الِميثاق ما أخَذه اللَّه تعالى على بني آدَمَ حين استَخْرَجهم من صُلْبه، بل إن المِيثاق عهد بين الإنسان وبين ربه في كل نِعْمة أَنعَم اللَّه تعالى بها عليه أن يُؤدِّيَ هذه النِّعْمةَ على ما أَمَرَه به ربُّه، كل نِعمة؛ لأن هذا من شُكْرها، فإذا أَنعَم اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالى عليك النِّعْمة بالعِلْم صار الواجِبُ عليك عهدًا بينَك وبينَ اللَّه أن تُبيِّنه، {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكتُمُوَنَهُ} وإِذْ أَنعَم اللَّه تعالى على إنسان بالنُّبوَّة، والنُّبوَّة بعد محُمَّد -صلى اللَّه عليه وسلم- مُتعذِّرة، لكن إذا أَنعَم اللَّه تعالى على عَبْده بالنُّبوَّة وجَب عليه أن يُبلِّغ، مِيثاق غَليظ {وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا} وفي أهل العِلْم {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ} ولم يَقُل: مِيثاقًا غليظًا؛ لأن المِيثاق على الأنبياء أعظَمُ وأغلَظُ.
قوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى:{وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ}: (منك) عَطْفًا على {النَّبِيِّينَ} بإعادة الجارِّ {وَمِنْكَ}، وإنَّما أُعيد الجارُّ إمَّا لأن الضمير مُتَّصِل ولا بُدَّ فيه من أن يَظهَر الجارُّ، أن يَظهَر العامِل؛ لأن الضمير المتصِل لا بُدَّ له أن يَكون عامِله ظاهِرًا، ولا يَأتي مُنفَصِلًا العامِل إلَّا شذوذًا بعد (إلَّا)، أو يُقال أيضًا -وهو يُقال من حيث المَعنَى-: أُعيد حَرْف الجرِّ للتأكيد بالنسبة إلى هؤلاء الخَمسة قال سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَمِنْكَ} وتَخصيصهم بالذِّكْر بعد العُموم يَدُلُّ على فَضْلهم ولا شكَّ فيها.
قوله تعالى:{وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ} منك ومن نُوع عَلَيْهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وبين محُمَّد -صلى اللَّه عليه وسلم-