وأمَّا في سورة الجِنِّ ففي قوله تعالى:{وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا}[الجن: ٢٣].
وإذا كان هَؤلاء خَالِدين أبَدًا فإنَّه يَلزَم من تَأبيد الخالِد تَأبيدُ المكان الذي هو فيه، حتَّى في الجَنَّة أيضًا، فمَعناه: أن هذا كائِن بمَشيئة اللَّه تعالى.
الْفَائِدَةُ الخَامِسَةُ: في الآية دليلٌ على أن أهل النار يَذوقون العذاب ويَتأَلَّمُون منه؛ لقوله تعالى:{أَلِيْمًا}، فَيَكون في هذه الفائِدةِ ردٌّ على قول مَن يَقول: إن أهل النار يَكونون جَهنَّمِيِّين، فلا يُحِسُّون بعذابٍ -والعِياذُ باللَّهِ-، ومَعنَى ذلك أنهم إذا كانوا لا يُحِسُّون بعذاب انتَفَى العَذاب.
وقد ذكَر اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أن جُلُودهم تَنضَج {كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا}[النساء: ٥٦] وأَخبَر أنَّها تُحرِق {وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ}[الأنفال: ٥٠] فبَيَّن اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أن الجُلود تَنضَج {لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ}، ولولا أنهم يَتَألَّمون بذلك لكانوا عندما بُدِّلوا بجُلود أُخرى ما ذاقوا العَذاب.
فإن قيل: كيف يَصبِرون المُدَدَ العظيمة، وهم في حَريق وجُلود تُبدَّل -والعِياذُ باللَّه-؟
قُلْنا: إن اللَّه تعالى على كل شيء قَديرٌ، وأحوال الآخِرة لا تُقاس بأحوال الدُّنيا،