للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الحرَّة الشرقية إلى الحَرَّة الغربية، حفَروه مع ما بهم من الجَهْد والتَّعَب والمَشقَّة والجُوع والبَرْد، وكان الرسول عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ يَحفُر معهم، حتَّى إن التُّرابَ وارَى جِلْدةَ بَطْنه عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، وكان يُردِّد معهم:

"اللَّهُمَّ لَا عَيْشَ إِلَّا عَيْشُ الْآخِرَه ... فَاغْفِرْ لِلْأَنْصَارِ وَالمُهَاجِرَه" (١)

ويُردِّد أيضًا قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-:

"اللَّهُمَّ لَوْلَا أنْتَ مَا اهْتَدَيْنَا ... وَلَا تَصَدَّقْنَا وَلَا صَلَّيْنَا

فَأَنْزِلَنْ سَكِينةً عَلَيْنَا ... وَثَبِّتِ الْأَقدَامَ إِنْ لَاقَيْنَا

إِنَّ العِدَا قَدْ بَغَوْا عَلَيْنَا ... وَإِنْ أَرَادُوا فِتْنَةً أَبَيْنَا" (٢)

لأن هذا الإِنْشادَ في هذا المَوْطِن يُثير الِهمَم ويُنشِّط، وكان يَمُدُّ صَوْته بقوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أَبْيَنَا".

المُهِمُّ: أنَّه حصَل فيه أشياءُ كَثيرةٌ ليس هذا مَوضِعَ ذِكْرها، لكنها تَدُلُّ على مِحَنٍ عظيمةٍ أَصابَت المُسلِمين، وهم مع ذلك صابِرون، ولمَّا نزَل الأحزابُ نزَلوا من الشَّمال من الشَّرْق والغَرْب {مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ}.

ثُمَّ إن اللَّه عَزَّ وَجَلَّ بحِكْمته امتَحَن المُسلِمين بزِيَادة البَلاء، وهو أن بني النَّضِير اتَّصلُوا ببني قُرَيظةَ، وطلَبوا منهم أن يَنْقُضوا العَهْد الذي بينهم وبين النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-،


(١) أخرجه البخاري: كتاب الجهاد والسير، باب حفر الخندق، رقم (٢٨٣٥)، ومسلم: كتاب الجهاد والسير، باب غزوة الأحزاب، رقم (١٨٠٥)، من حديث أَنس -رضي اللَّه عنه-.
(٢) أخرجه البخاري: كتاب المغازي، باب غزوة الخندق، رقم (٤١٠٦)، ومسلم: كتاب الجهاد والسير، باب غزوة الأحزاب، رقم (١٨٠٣)، من حديث البراء -رضي اللَّه عنه-.

<<  <   >  >>